على الواقع ، لأنّ المستدلّ والمتوقّف إنّما هو غير الحاكم.
وأمّا الطريقة الثالثة ، فالظاهر أنّها أجنبية عن عالم الحجّية ، وإنّما جلّ ما عندنا هو تبعيض الاحتياط ، إمّا بالنحو الذي ذكرناه وهو لزوم الجري على جميع موارد احتمالات التكاليف التي يبتلى بها المكلّف تدريجاً إلى أن يصل إلى درجة العسر والحرج ، فيسقط التكاليف الباقية لو كان فيها تكاليف ، ومن الواضح أنّه بناءً على هذا لا يكون في البين تبعيض بحسب الظنّ أو الركون إلى الظنّ. وإمّا بالنحو الذي أفادوه وهو إسقاط الاحتياط أوّلاً في الموهومات ، فإن وفى ذلك بارتفاع العسر والحرج في الاحتياط في البواقي فهو ، وإلاّ ضمّ إليه المشكوكات ، ويقتصر على الاحتياط في المظنونات بجميع مواردها ومراتبها وأسبابها ، فإن بقي العسر والحرج لزم التبعيض في مراتب الظنّ وهكذا.
ومن هذا كلّه يظهر أنّه ليس في البين إلاّ إسقاط الاحتياط في مقدار من المحتملات ، ولزوم العمل في البواقي على مقتضى الاحتياط ، وليس في البين حجّية ظنّ كي نتكلّم في أنّ الحجّة هو مطلق الظنّ ، أو الظنّ في الجملة الذي هو معنى الاهمال.
ومن ذلك كلّه يظهر لك الكلام في الأمر الثالث (١) المعقود لخروج القياس ، فإنّه قد اتّضح لك أنّه بناءً على الوجه الأوّل وهو الكشف لا إشكال في خروجه ، وكون دليله مخصّصاً للقضية الكلّية الشرعية المستكشفة بطريق العقل ، وهي كون كلّ ظنّ حجّة شرعاً ، كما أنّه بناءً على الوجه الثالث وهو تبعيض [ الاحتياط ] ينبغي القول بإسقاط الاحتياط فيما يؤدّي إليه القياس لأنّه من مظنونات التكليف ، إذ لا أقل من كون أدلّة المنع من الأخذ بالقياس موجبة لسقوط الاحتياط في
__________________
(١) فوائد الأُصول ٣ : ٣٢٠.