ويمكن أن يقال : إنّ مراده هو أنّه بعد فرض مرجعية شرطية الابتلاء إلى إمكان داعوية النهي المتوقّفة على إمكان توجّه إرادة العبد نحو الفعل ، كان ذلك الاشتراط راجعاً إلى اعتبار ما هو متأخّر عن نفس الخطاب ، لأنّ إمكان داعويته متأخّر رتبة عن نفس جعله ، فكما لا يصحّ أخذه قيداً من جانب الشارع لا يصحّ الاطلاق من هذه الجهة ، فلا يكون المتّبع في مثل ذلك إلاّحكم العقل بحسن الخطاب وعدمه ، فيكون حال هذا القيد حال التقييد بداعي الأمر على مسلكه في باب التعبّدي من كونه بحكم العقل لا بحكم الشرع ، كما صرّح بذلك في حاشيته على الرسائل على قول الشيخ قدسسره : وأمّا إذا شكّ في قبح التنجيز فيرجع إلى الاطلاقات ... الخ (١). فإنّه قدسسره قال في الحاشية على ذلك ما هذا لفظه : فيه أنّه إنّما يجوز الرجوع إلى الاطلاقات في دفع قيد كان التقييد به في عرضه ومرتبته ، بأن يكون من أحوال ما أُطلق وأطواره ، لا في دفع ما لا يكون كذلك. وقيد الابتلاء من هذا القبيل ، فإنّه بحكم العقل والعرف من شرائط تنجّز الخطاب المتأخّر من مرتبة أصل إنشائه ، فكيف يرجع إلى الاطلاقات الواردة في مقام أصل إنشائه في دفع ما شكّ في اعتباره في تنجّزه ، فتدبّر جيّداً (٢).
وما أفاده شيخنا قدسسره في هذا التحرير في « إن قلت » الثالثة (٣) وجوابها ناظر إلى هذه الجملة التي أفادها صاحب الكفاية في حاشيته على الرسائل ، والعمدة في المسألة هو كون الابتلاء وعدمه من الانقسامات المتأخّرة رتبة عن الخطاب الشرعي ، وشيخنا قدسسره في مقام الجواب ناظر إلى نفس الابتلاء وعدمه ، ومن
__________________
(١) فرائد الأُصول ٢ : ٢٣٨.
(٢) حاشية كتاب فرائد الأُصول : ١٤٦.
(٣) فوائد الأُصول ٤ : ٦٢.