صيدا ـ ففيه أوّلاً : ما حرّرناه في باب العموم والخصوص (١) من منع تصرّف العقول البشرية في ملاكات الأحكام. وثانياً : أنّا لو سلّمنا إمكان ذلك ، فالظاهر أنّ ما نحن فيه ليس من هذا القبيل ، لما شرحناه غير مرّة في هذا المبحث (٢) من عدم مدخلية القدرة العقلية في ملاكات الأحكام الشرعية فضلاً عن القدرة العادية ، إلاّ أن يكون المراد هو المدخلية في تأثيرها في إصدار الردع والزجر لا في أصل الملاك ، فراجعه وتأمّل.
وأمّا ما أفاده في التقرير المشار إليه بقوله : وحيث إنّ إحراز كون مورد ممّا يحسن فيه التكليف أو لا ليس ممّا يصحّ إيكاله إلى المكلّف الخ (٣) ، فلا يخفى ما فيه ، فإنّ جهات حسن التكليف مختلفة ، فبعضها راجع إلى الملاكات التي لا تنالها العقول البشرية ، وبعضها راجع إلى الطوارئ والعوارض الطارئة على المكلّفين الموجبة لاختلاف التكليف باختلافها ، وذلك مثل القدرة العقلية والقدرة العادية ، والتي لا يصحّ إيكالها إلى المكلّف إنّما هو القسم الأوّل دون الثاني.
قوله : قلت هذا الكلام بمكان من الغرابة ، فإنّ إطلاق الكاشف بنفسه يكشف عن إمكان الاطلاق النفس الأمري ، وصحّة تشريع الحكم على وجه يعمّ المشكوك فيه ... الخ (٤).
لا يخفى أنّه لو كان من يدّعي سقوط الاطلاق يستند إلى الشكّ في صحّة
__________________
(١) راجع حاشيته قدسسره في المجلّد الخامس من هذا الكتاب ، الصفحة : ٢٢٣ ومابعدها.
(٢) راجع الحاشية المتقدّمة في الصفحة : ٥٦٦.
(٣) أجود التقريرات ٣ : ٤٣٤ ـ ٤٣٥.
(٤) فوائد الأُصول ٤ : ٦١.