جعل الأحكام ملازم لجعل الطرق ، فإذا حملنا الطرق على الطرق العقلائية ، وكان إيكال الشارع المكلّفين إلى تلك الطرق إمضاءً لها ، كانت جميع تلك الطرق العقلائية حججاً شرعية وطرقاً إمضائية ، إلاّما أخرجه دليل الردع من القياس والاستحسان ونحوه ممّا قد ثبت الردع عنه ، ولا ريب أنّ تلك [ الطرق ] العقلائية معلومة بالتفصيل ، فلا وجه لدعوى كون الممضى من تلك الطرق العقلائية هو بعضها ، فإنّ إيكال الشارع المكلّفين إلى بعض تلك الطرق لا يكون نافعاً في الملازمة بين جعل الأحكام وبين جعل الطرق إليها ، إذ كما يقبح من الشارع أن يجعل الأحكام ولا يجعل لنا طرقاً موصلة إليها ، فكذلك يقبح منه إيكالنا إلى بعض تلك الطرق العقلائية من دون أن يعيّنه لنا.
وأمّا قوله بعد هذه العبارة : بل قد تقدّم سابقاً أنّه لا يحتاج إلى الامضاء ، ويكفي عدم الردع عمّا بيد العقلاء من الطرق الخ (١) فلعلّه مناقض للعبارة السابقة ، فإنّ هذه العبارة الثانية إنّما تقال بعد فرض كون الذي أوكلنا إليه هو مطلق تلك الطرق العقلائية. والحاصل أنّ الجعل الامضائي بالنسبة إلى جميع الطرق العقلائية يوجب العلم التفصيلي بحجّيتها. مضافاً إلى أنّه يرد عليه ما أفاده الشيخ من أنّه لو كان لبان ، كما أنّه يرد إشكال الشيخ فيما لو كان الممضى هو البعض من تلك الطرق. أمّا الاكتفاء بعدم الردع فهو ـ أعني الاكتفاء بعدم الردع ـ يوجب حجّية الجميع لتساويها في عدم الردع.
وأمّا قوله في ذيل هذه العبارة : نعم لو كان مراده ما هو ظاهر كلامه من اختراع الشارع وتأسيسه طرقاً مخصوصة ، كان للمنع عن ذلك مجال واسع ، بل
__________________
(١) فوائد الأُصول ٣ : ٢٨٣.