إيراده ناظر إلى هذه الجهة ، وحاصله : أنّه لو انحصرت الطرق بالطرق التأسيسية لكان جعل الأحكام ملازماً لجعلها ، ولا يرد عليه حينئذ أنّه لو كان لظهر وبان ، لجواز اختفاء تلك الطرق الخاصّة علينا ، بحيث إنّه لم يحصل العلم التفصيلي بها كما ادّعاه الأُستاذ قدسسره واستنتجه من دعوى الإجماع على عدم جواز الاهمال ودعوى الإجماع على عدم جواز الاحتياط ، لكن الطرق التي يكون جعلها لازماً لجعل الأحكام لا تنحصر بالطرق التأسيسية ، بل يكفي الطرق الامضائية ، بمعنى أنّ الشارع يكون قد أوكلنا إلى الطرق العقلائية ، ويكون ذلك الايكال عبارة أُخرى عن إمضاء تلك الطرق العقلائية.
ولا يخفى أنّ هذه الطرق العقلائية لم يكن العلم بها منسدّاً علينا كي تصل النوبة إلى تعيينها بالظنّ ، لتكون النتيجة هي حجّية الظنّ بالطريق ، بل تكون نتيجة هذه الطريقة هي انفتاح باب العلم بالأحكام بواسطة الطرق العقلائية ، التي منها خبر الواحد ونحوه من الأمارات العقلائية ، التي ثبت امضاؤها بواسطة أنّ الشارع أوكلنا إليها في الايصال إلى أحكامه ، ولعلّ هذا هو مراد الشيخ قدسسره من الايراد أوّلاً ، وإن لم يكن تعبيره صريحاً فيه.
ومنه يظهر لك أنّا لو تكلّفنا في عبارة الفصول كما تكلّفه شيخنا قدسسره ، وحملنا الطرق التي ادّعى العلم الاجمالي بجعلها على الأعمّ من الطرق العقلائية الامضائية لكان ذلك ناقضاً لغرضه من استنتاج حجّية الظنّ بالطريق ، بل كان موجباً للعلم التفصيلي بالطريق ، وحينئذ لا يصلحه ما أفاده شيخنا قدسسره بقوله : بمعنى أنّه يعلم إجمالاً إمضاء بعض الطرق العقلائية الوافي بالأحكام الشرعية ، وقد خفي علينا ما أمضاه وانسدّ باب العلم به الخ (١) فإنّ صاحب الفصول قدسسره ليس عنده إلاّمجرّد أنّ
__________________
(١) فوائد الأُصول ٣ : ٢٨٣.