ملاك وجوب الصيام محدوداً بعدمه ، فلا إشكال في الحكم بجواز الاقدام على الاطعام المذكور.
وإن انضمّ إلى ذلك احتمال ثالث ، وهو كونه مفوّتاً لموضوع الصيام مع بقاء ملاك وجوب الصيام بحاله ، بأن كانت الاحتمالات في الطرف المقابل للصيام ثلاثة : أحدها كونه عدلاً له ، ثانيها كون ملاك وجوبه محدوداً بعدمه ، ثالثها كونه مفوّتاً لنفس الواجب الذي هو الصيام ، نظير ما لو وجب قتل المرتدّ مثلاً بالشنق فقتله بطريقة أُخرى ، ففي هذه الصورة التي تطرّق فيها الاحتمال الثالث يشكل الحكم بجواز الإقدام على ذلك الطرف ، فإنّه بعد فرض وجوب الصيام وتردّد ذلك الطرف بين كونه عدلاً له وكونه مسقطاً لملاكه وكونه موجباً لعدم التمكّن من استيفائه لكونه رافعاً لموضوعه ، لا يمكن الركون في الإقدام على ذلك الطرف إلى أصالة البراءة من المنع عنه ، فإنّه وإن كان مسقطاً لوجوب الصيام على كلّ حال ، إلاّ أنّ إسقاطه له على الاحتمال الأوّل يكون بالاطاعة ، وعلى الثاني يكون إسقاطه له من باب أنّ الأمر بالصيام يكون مشروطاً بعدمه ، وعلى الثالث يكون إسقاطه له من قبيل العصيان.
وحيث قد تطرّق هذا الاحتمال الثالث يكون الحكم بجواز الإقدام عليه منافياً لمقتضى الاشتغال بالصيام ، فإنّ مقتضى اشتغال الذمّة به هو المنع من إسقاطه بالعصيان ، وحيث كان إسقاطه بذلك الطرف يحتمل كونه من قبيل الاسقاط بالعصيان ، كان مقتضى الاشتغال هو المنع عنه ، ولا تنفع فيه أصالة البراءة ، لأنّها لا تجري في الفعل الذي يحتمل كونه موجباً لعصيان تكليف آخر قد تنجّز عليه واشتغلت به ذمّته.
بل قد يقال : إنّه لا معنى لأصالة البراءة من حرمة الفعل المزبور ، إذ ليس هو