اعتماداً على أنّ عدم الصيام عند وجود الاطعام لم يكن معلوم الحرمة عليه من أوّل الأمر ، بل يمكن القول إنّ شغل الذمّة اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ، إذ لا أقل من استصحاب بقاء الصيام على ما كان عليه من الوجوب قبل الاطعام ، وإن كان ذلك محلّ نظر وإشكال ، إذ بعد فرض تبعيض ذلك الوجوب وتحليله إلى تحريم هذه الأعدام ، يكون المقدار الثابت أوّلاً من مقدار ذلك الوجوب مشكوكاً ، فتأمّل جيّداً.
ثمّ لا يخفى أنّا قد جرينا في هذه الفروع في قولنا : إنّ البراءة لا تجري في الطرف الذي تكون المخالفة فيه موجبة للمخالفة القطعية ، على مسلكه رحمهالله في مثل من كان في حال القنوت وعلم إجمالاً بفوات السجود منه أو القراءة ، في عدم جريان قاعدة التجاوز في القراءة ، للعلم بعدم امتثاله أمرها. وأمّا بناءً على ما حرّرناه في مثل هذه الفروع ، من أنّ الأصل النافي إنّما يجري في أحد طرفي العلم الاجمالي بفرضه وحده على نحو الشبهة البدوية ، فلا وجه لعدم جريان البراءة فيما نحن فيه في الطرف المذكور ، لأنّا نفرض الوجوب المشكوك الوارد على الحيوان مثلاً كشبهة بدوية ، ولا ريب في جريان البراءة فيه في حدّ نفسه ، وإنّما لا تجري فيه بلحاظ الطرف الآخر وهو احتمال وجوب الإنسان ، فإنّه بلحاظ هذا الطرف لا تجري فيه البراءة ، لكونها حينئذ موجبة للمخالفة القطعية ، فتأمّل جيّداً.
الأمر السابع : أنّه لو علم بوجوب شيء كالصيام مثلاً ، واحتمل كون الاطعام مثلاً عدلاً له ، أو أنّه من مجرّد المسقط ، وكان المكلّف متمكّناً من الصيام ، فلا إشكال في سقوطه عند الاطعام. أمّا جواز الاقدام على الاطعام ، فإن كان احتمال مسقطيته للصيام من باب كون ملاك وجوب الصيام محدوداً بعدم الاطعام ، بأن لم يحتمل في الاطعام إلاّكونه واجباً تخييرياً وعدلاً للصيام ، أو كون