ويمكن القول بأنّ الحرمة المذكورة لا واقعية لها ، وإنّما هي مجرّد تعبير منشؤه هو دعوى رجوع الأمر بالشيء إلى النهي عن تركه ، وقد حقّق في محلّه (١) أنّ ذلك من مجرّد التعبير ، نظير أنت وابن أُخت خالتك ، وأنّه ليس في البين إلاّوجوب الفعل ، وأنّ ذلك ـ أعني وجوب الفعل ـ هو المدار في التكليف وفي العلم الاجمالي ، لا أنّ المدار هو حرمة تركه حرمة تكليفية كي تتّجه هذه التفاصيل.
ثمّ إنّ المسقط للتكليف قد يكون من قبيل الرافع للموضوع نظير موت المرتدّ الواجب قتله ، ولعلّ منه قضاء غير الولي ، فلا يكون عدمه شرطاً وقيداً في التكليف كي يكون الفعل المطلوب مرخّصاً في عدمه على تقدير وجود ذلك المسقط ، بل يكون من قبيل انتفاء الموضوع ، وإن أمكن إرجاع ما يكون معدماً للموضوع إلى ما يكون عدمه قيداً في نفس التكليف ، إذ الموضوع من حدود التكليف وقيوده ، إلاّ أنّه مع ذلك لا يكون من قبيل الترخيص في العدم ، أو عدم حرمة عدم الفعل المفروض الوجوب على تقدير وجود ذلك الموضوع ، فتأمّل.
ثمّ لو سلّمنا انحلال الوجوب إلى تحريم الأعدام ، ورجعت المسألة إلى الأقل والأكثر من هذه الناحية ، فهي إنّما تؤثّر فيما لو توجّه التكليف وكان المكلّف واجداً لتلك الجهة المحتمل عدم حرمة الترك على تقدير وجودها ، أمّا لو كان ذلك طارئاً بعد توجّه التكليف ، كما هو الغالب فيما لو ارتكب الاطعام مثلاً بعد فرض تحقّق السبب الموجب لتوجّه الأمر بالصيام ، فإنّ عدم الصيام بعد طروّ الاطعام وإن كان مشكوك التحريم من أوّل الأمر ، إلاّ أنّه بعد أن توجّه إليه الأمر بالصيام قطعاً وحرم عليه عدمه وانشغلت به ذمّته يقيناً ، يشكل الاكتفاء بالاطعام
__________________
(١) راجع الحاشية المتقدّمة في المجلّد الثالث من هذا الكتاب ، الصفحة : ٩٥ ومابعدها.