أمّا لو كان المنجّز هو نفس العلم الاجمالي ، لكان اللازم هو الاحتياط في جميع هذه الموارد. وسيأتي إن شاء الله تعالى البحث عن ذلك في أصالة الاشتغال (١) وأنّه هل يمكن أن يوجد لنا مثال يجري في بعض أطراف العلم الأصل النافي للتكليف مع كون الأطراف الأُخر لا أصل فيها.
ويمكن التفكيك بين هذه الفروع حتّى على القول بأنّ المنجّز هو تعارض الأُصول ، فيقال بالبراءة من حرمة تزويج هند ، لكنّها لا تنفع في مسألة الخاص والعام ، إذ بعد فرض أنّ وجوب العام لا تجري فيه البراءة ، لو أجرينا البراءة في وجوب الخاص لم يكن ذلك نافعاً في جواز اكتفاء المكلّف بفرد آخر من أفراد العام ممّا هو مباين للخاصّ ، نظراً إلى أنّ الاكتفاء بذلك الفرد لا يحقّق الفراغ اليقيني الذي تقضي به قاعدة الشغل ، إلاّ إذا كانت البراءة من الخاصّ مثبتة لكون الواجب هو العام.
وهكذا الحال في دوران الأمر في الوجوب الوارد على الصيام بين التعييني والتخييري بينه وبين الاطعام ، فإنّه بعد فرض عدم جريان البراءة في الوجوب التخييري ، لا يكون إجراء البراءة في ناحية الوجوب التعييني محقّقاً للفراغ اليقيني فيما لو أقدم المكلّف على الاطعام ، إلاّ إذا قلنا بأنّ البراءة عن الوجوب التعييني مثبتة لكون الوجوب تخييرياً.
نعم ، في مسألة الأقل والأكثر تكون البراءة عن الزائد نافعة ، فإنّه بعد فرض عدم جريان البراءة في وجوب الأقل ، لا تكون البراءة جارية في نفس وجوب الأكثر كي يقال إنّه لا يترتّب الاكتفاء بالأقل إلاّبالأصل المثبت ، من جهة أنّ البراءة من الأكثر لا تثبت كون الواجب هو الأقل ، بل تكون البراءة جارية في وجوب
__________________
(١) راجع ما يأتي في الصفحة : ٤١٩ / تنبيه وإيضاح.