جواز المخالفة القطعية ، فالأصل لا يمكن إجراؤه في طرف الأعمّ ، لاستلزامه المخالفة القطعية ، حيث إنّه موجب لجواز ترك العام بجميع أفراده ، وذلك عبارة أُخرى عن ترك ما علم وجوبه إجمالاً ، وحينئذ فيبقى الأصل في طرف الخاصّ بلا معارض ، فلا مانع من إجرائه فيه ، حيث إنّه إنّما لا يجري فيه لمعارضته مع الأصل في طرف العام ، وإذا لم يكن ذلك الأصل جارياً في العام ، بقي هذا بلا معارض ، وحينئذ فالمتحصّل من ذلك هو العمل على طبق العام من جهة أنّه لمّا نفي وجوب الخاص بالبراءة ، ولم يمكن نفي وجوب العام ، لزم العمل على طبق العام ، لا أنّ إجراء أصالة البراءة في الخاصّ مثبت لوجوب العام. وبذلك يمكن أيضاً أن يقرّر الرجوع إلى البراءة فيما إذا دار الأمر بين التعيين والتخيير ، فيقال : إنّ إجراء أصالة البراءة في أحد أطراف هذا العلم وهو الوجوب التخييري غير ممكن ، لما تقدّم من أنّه مستلزم للمخالفة القطعية ، فيبقى الأصل في الطرف الآخر وهو الوجوب التعييني بلا معارض ، فتجري فيه البراءة ويجب العمل على طبق الوجوب التخييري من دون أن يثبت ذلك أعني الوجوب التخييري ، انتهى ما حرّرته عنه حسبما فهمته منه.
ولقائل أن يقول : إنّ المسألة مبنية على كون المنجّز في العلم الاجمالي هو تعارض الأُصول ، وحينئذ نقول إنّ البراءة لا تجري في الجمع بين هند وعاتكة لكنّها تجري في خصوص هند ، وأيضاً هي ـ أعني البراءة ـ لا تجري في العام لكنّها تجري في الخاص ، وهي أيضاً لا تجري في وجوب الأقل لكنّها تجري في وجوب الأكثر ، وهي لا تجري في الوجوب التخييري لكنّها تجري في الوجوب التعييني ، وعليه تكون النتيجة هي عدم لزوم الخاصّ وعدم لزوم التعيين وعدم لزوم الأكثر.