في المثال المزبور المحتمل كونه عدلاً لما تعلّق به الوجوب أعني الصيام ، فإنّ الاطعام في مثل ذلك يتردّد أمره بين الوجوب التخييري والاباحة ، ومن الواضح عدم جريان البراءة فيه حينئذ ، لأنّ نتيجة جريانها هو تعيّن الصيام على المكلّف ، فيكون ذلك خلاف الامتنان.
وينبغي أن يكون فرض الكلام في صورة عدم تعذّر الطرف المعلوم تعلّق الوجوب به أعني الصيام ، أمّا في صورة تعذّره فلا ينبغي الإشكال في جريان البراءة في الطرف الآخر الذي هو الاطعام.
لا يقال : إنّه في صورة عدم تعذّر الصيام يبقى الشكّ فيما احتمل وجوبه تخييراً ـ وهو الاطعام ـ بحاله لا يجري فيه أصل أصلاً ، لأنّ المفروض عدم جريان البراءة فيه ، وعدم جريان أصالة عدم الوجوب كما سيأتي (١) إن شاء الله تعالى بيانه من أنّ عدم الجعل لا أثر له وعدم المجعول لا أصل له ، وحينئذ تبقى الشبهة في ناحية الاطعام بحالها بلا أصل يجري فيها ، وهو غريب.
لأنّا نقول : لا غرابة في ذلك ، إذ لا يترتّب أثر عملي على الشكّ المزبور إلاّ من جهة كون الطرف المذكور مسقطاً لما علم وجوبه ، والمفروض جريان أصالة الاشتغال من هذه الجهة. وبالجملة : أنّ هذه الشبهة من جهة الأثر المترتّب عليها وهو إسقاط ما علم وجوبه تجري فيها أصالة الاشتغال ، ومن جهة الشكّ في أصل وجوب ذلك الطرف تخييراً لا أثر لها ، فلا غرابة في كونها بلا أصل يجري فيها. ومنه يعلم أنّه عند تعذّر الطرف المحتمل الوجوب يكون الطرف الآخر المردّد بين الوجوب التعييني والتخييري متعيّناً ، وهو واضح.
__________________
(١) في الصفحة : ٢٩١ ـ ٢٩٢.