التشريع ، ألا ترى أنّ قوله تعالى : ( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً ) الخ (١) قد نفى وجدان ما عدا المذكور ـ أعني الميتة وأخواتها ـ في صفّ المحرّمات الشرعية ، وقد جعل نفي وجدانها في قسم المحرّمات دليلاً على نفي تحريمها ، وما ذلك إلاّلأنّ انتفاء وجود الشيء في المحرّمات عبارة أُخرى عن كونه غير محرّم ، فيكون عدم تحريم الشيء ورفع حرمته مصحّحاً لنفي ذلك الشيء والحكم بعدمه في الشريعة ، فيصحّ أن يقال : إنّ الشرب المكره عليه مرفوع في الشريعة ومنفي فيها باعتبار رفع حرمته وانتفائها فيها ، هذا.
ولكن لا يخفى ما في ذلك من التكلّف ، مضافاً إلى منافاته لتطبيق الرفع على الأسباب ، الذي يكون مقتضاه هو كون الرفع مسوقاً لرفع ما هو موجود ، تنزيلاً له منزلة المرتفع باعتبار ارتفاع أثره ، فإنّ تطبيقه على رفع الحرمة فيما نحن فيه لا يكون بتلك العناية ، وإنّما يكون بعناية أنّ الفعل غير المحرّم منفي في صفّ المحرّمات الشرعية ، فتأمّل.
ولم أتوفّق لمعرفة الوجه في إعراض شيخنا قدسسره في هذه المسألة عن مسلكه قدسسره وهو كون نفي الاقتضاء مصحّحاً لنفي الشيء ، ولِمَ لم يقل في هذه المسألة إنّ المصحّح لرفع شرب الخمر الاكراهي هو أنّ الشارع لمّا رفع تأثير ملاك شرب الخمر في تحريمه إذا كان إكراهياً ، صحّ أن يقال إنّ الشارع رفع الشرب الاكراهي ، بمعنى أنّه رفع تأثيره أو تأثير ملاكه في التحريم ، أي أنّه منعه من أن يؤثّر في التحريم ، ويستغني بذلك عن تصحيح الرفع بطريق العارض والمعروض. نعم قد تأمّلنا في ذلك ، باعتبار أنّ نفس الاقتضاء غير قابل للرفع
__________________
(١) الأنعام ٦ : ١٤٥.