لارتفاع هذا النحو من الأحكام ، لعدم كون الحكم متأخّراً عن وجود هذا النحو من الأفعال. ولكن لا يخفى ما فيه ، حيث إنّ الحكم بالنسبة إلى هذا النحو من الأفعال وإن لم يكن من قبيل نسبة المعلول إلى علّته ، إلاّ أنّه ـ أعني الحكم ـ لمّا كان بمنزلة العارض على ذلك الفعل ، وكان الفعل بمنزلة المعروض لذلك الحكم ، كان نفي ذلك الفعل ورفعه تشريعاً موجباً لرفع ذلك العارض ، حيث إنّ رفع المعروض رفع لعارضه ، انتهى. وبنحو ذلك صرّح فيما حرّره عنه السيّد سلّمه الله (١).
قلت : لا يقال إنّ الرفع المتوجّه إلى مثل شرب الخمر الصادر عن نسيان أو خطأ أو إكراه ، لا يعقل أن يكون متوجّهاً إلى رفع عارضه الذي هو التحريم ، لأنّ هذا العارض إنّما يعرضه قبل الوجود ، أمّا بعد فرض تحقّق وجوده فلا يعقل أن يعرضه التحريم المذكور ، لأنّ مرتبة وجود شرب الخمر ليست هي مرتبة عروض التحريم عليه ، وإنّما هي مرتبة سقوط ذلك التحريم بالعصيان ، والمفروض أنّ حديث الرفع إنّما ينظر إلى الشيء بعد فرض وجوده فيرفعه ، ويكون رفعه كناية عن رفع أثره.
لأنّا نقول : ليس المراد من رفع تحريمه رفع التحريم بعد فرض وجود شرب الخمر ، بل المراد رفع التحريم في عين الصقع الذي يمكن فيه عروض التحريم عليه ، بمعنى أنّ كلّي شرب الخمر في حدّ نفسه لمّا كان معروضاً للتحريم مع قطع النظر عن كونه صادراً بالإكراه ، كان ذلك الكلّي مرفوعاً عنه التحريم إذا كان قد تعلّق به الاكراه ، ومن الواضح أنّ رفع ذلك الحكم الشرعي مصحّح لرفع الشرب الاكراهي رفعاً تشريعياً ، بمعنى أنّ الشرب المذكور لمّا لم يكن معروضاً للحرمة ، وكان الشارع قد رفع حرمته ، كان ذلك الشرب معدوماً ومرتفعاً في عالم
__________________
(١) أجود التقريرات ٣ : ٣٠٣.