وهذه الطريقة غير جارية فيما هو محلّ الكلام من الاستصحابات المثبتة للتكاليف ، فإنّ الفقيه في أوائل استنباطاته غافل عمّا يأتي من الاستصحابات المثبتة للتكاليف ، إذ لو فرضنا أنّ ذلك الفقيه إذا لاحظ علمه بأنّه تحصل له فيما بعد استصحابات مثبتة للتكاليف ، كان ذلك مانعاً من إجرائه الاستصحاب في أوّل مورد من موارده ، لكونه حينئذ من تلك الأطراف المفروض التفاته إليها ، وأنّ بعضها مخالف للواقع.
والحاصل : أنّه لو كان المورد الذي ابتلي به من موارد أصالة البراءة لم يمكنه إجراء البراءة فيه ، للعلم الاجمالي الكبير لعدم انحلاله فعلاً ، ولا محصّل هنا للقول بأنّ ذلك العلم الاجمالي الكبير قد انحلّ إلى ما هو أصغر منه ليوجب الفحص ، فإنّ ذلك إنّما يمكن فيما بأيدينا من الأخبار ، دون ما فرضه من الاستصحابات التي لم يجر فعلاً شيء منها.
ويرد عليه قدسسره إيراد ثالث : وهو أنّا لو سلّمنا جريان الاستصحاب في أوائل الاستنباطات ، إلاّ أنّه ينبغي العدول عنه في أواخرها ، لأنّ الحكم الذي استنبطه في السابق لم يكن من قبيل الخروج عن محلّ الابتلاء ، بل هو باقٍ بحاله ، وهو يفتي فعلاً على طبقه ، وحينئذ يعود المحذور ، للعلم الاجمالي حينئذ بخطأ بعض تلك الفتاوى التي هو فعلاً جارٍ عليها ، المفروض استنادها إلى الاستصحابات التي علم فعلاً بانتقاض الحالة السابقة في بعضها ، وليس ذلك متوقّفاً على إجرائه الاستصحاب في المتأخرات ، بل هو قبل إجرائه فيها يعلم إجمالاً عند ابتلائه بها والتفاته إليها ببطلان فتواه السابقة أو فتواه اللاحقة ، وحينئذ لا يقدر أن يجري الاستصحاب في اللاحقة.
لا يقال : يجري هذا الإشكال في كلّ مجتهد ، إذ لا مجتهد إلاّويعلم أنّ