وحاصل المراد : أنّ من سبر الفقه يرى أنّ جملة من الأُمور الشرعية سواء كانت وضعية أو كانت تكليفية ، قد جعل الشارع لها روافع ترفعها بعد أن تحقّق جعلها في الشريعة ، كما في النكاح ورافعه الطلاق ، وكما في الطهارة من الحدث ورافعها هو الحدث ، وكما في كلّ حكم ورافعه الذي هو النسخ على ما عرفت.
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ جميع المجعولات الشرعية ليست إلاّ اعتبارية من جانب الشارع ، خصوصاً بناءً على عدم جعل السببية كما حقّق في محلّه (١) ، فإنّه بناءً عليه لا تكون العلّة في تلك المجعولات إلاّجعل الشارع واعتباره ، فتكون تلك المجعولات معلولة لذلك الجعل الشرعي ، الذي هو الاعتبار الشرعي كما في الوضعيات ، أو نفس جعل التكليف كما في التكليفيات ، وليس محصّل رفعها أو جعل الرافع لها إلاّحدوث جعل آخر واعتبار آخر ، وتحقّق هذا الجعل والاعتبار الطارئ يكون عبارة أُخرى عن رفع اليد عن الجعل الأوّل أو الاعتبار الأوّل ، فعند التحقيق لا يكون ذلك المجعول أو المعتبر ثانياً رافعاً لما هو المجعول والمعتبر أوّلاً ، بل يكون نفس الجعل أو الاعتبار الثاني واقعاً في رتبة الجعل والاعتبار الأوّل في كونه موجباً لعدم تأثيره.
وأمّا الرافع في باب الاستصحاب فهو مبني على الذوق العرفي ، المبني على أنّ ما يكون مانعاً من تأثير العلّة في الاستمرار يسمّى رافعاً ، وما يكون مانعاً من تأثيرها في أصل الوجود يسمّى دافعاً.
ثمّ لا يخفى أنّ هذا الذي ذكرناه من الاعتبار الأوّل والاعتبار الثاني لا يصحّح كون الجعل الثاني من قبيل الدفع الحقيقي بالنسبة إلى الجعل الأوّل ، بل لا يكون إلاّ من مجرّد رفع اليد عن الجعل والاعتبار الأوّل ، فلا يكون حينئذ من الدفع ، بل
__________________
(١) راجع الحاشية الآتية في المجلّد التاسع من هذا الكتاب ، الصفحة : ١٧٨ ومابعدها.