الجهة الثالثة من جهات الخلاف بينهما قدسسرهما : هي أنّ صاحب الكفاية قدسسره (١) لمّا كان رأيه على عدم المانع هنا من إجراء الاستصحابات المثبتة للتكليف كما عرفت في الجهة الثانية ، ادّعى أمراً آخر ، وهو أنّ موارد تلك الاستصحابات بضميمة القطعيات من التكاليف هي بمقدار المعلوم بالاجمال ، فتكون موجبة لانحلال العلم الاجمالي ، وشيخنا قدسسره (٢) يمنع من هذه الدعوى ، ويقول إنّا لو سلّمنا عدم المانع من جريانها فلا تكون هي بضميمة ما ذكره موجبة للانحلال لقلّة تلك الموارد.
قلت : نعم إنّ تلك الموارد ربما كانت كافية في دفع المحذور الأوّل ، أعني الإجماع على عدم جواز الاهمال بالمرّة ، وفي دفع المحذور الثاني ، أعني لزوم الخروج من الدين في إجراء الأُصول النافية ، على تأمّل في ذلك ، نظراً لقلّة تلك الموارد ، مع فرض الرجوع في الباقي الذي هو المعظم إلى البراءة ، أمّا المحذور الثالث وهو العلم الاجمالي فهو باقٍ بحاله.
ثمّ إنّه يرد على صاحب الكفاية إيراد ثانٍ ، وهو عدم إمكان الرجوع إلى البراءة في أوّل شروعه في الاستنباط ، حيث بعد الاعتراف بعدم فعلية الشكّ في الموارد المتأخّرة ، وأنّ الاستصحابات في تلك الموارد المتأخّرة غير جارية فعلاً ، فكيف صحّ له أن يحكم فعلاً بانحلال العلم الاجمالي والرجوع إلى البراءة قبل تمامية الاستنباطات في جميع الموارد المفروض أنّها ـ أعني موارد الاستنباط ـ لا نهاية لها ، فلابدّ له أن يقول إنّ العلم الاجمالي الكبير لا ينحل فعلاً حتّى يستمرّ الاستنباط ويحصل للمجتهد بواسطة ما حصّله من الاستصحابات المثبتة
__________________
(١) كفاية الأُصول : ٣١٤.
(٢) فوائد الأُصول ٣ : ٢٣٦ و ٢٣٩.