المغالطات الصادرة عن بعض في مقام الاستدلال ، فنقول : إنّ النزاع في المقام إنّما هو في الأمر الواقع عقيب الحظر ـ كما يشهد به عنوان كلامهم كما عرفت ـ لا الحاصل قبله الشامل بعمومه أو إطلاقه لما بعد الحظر بأن يكون النهي من قبيل المخصّص أو المقيّد له بالنسبة إلى زمان النهي.
وبعبارة أخرى : النزاع من جهة وقوع الأمر بعد الحظر وعقيبه لا من جهة كون المنهيّ عنه مأمورا به بعد النهي ، فيدخل فيه ما إذا كان ثبوت الأمر له بعده من جهة الأمر السابق على النهي بعمومه أو إطلاقه.
فعلى هذا فيخرج أمر الحائض والنفساء بالصلاة بعد كونهما منهيّتين عنها حال الحيض والنفاس عن محلّ النزاع ، فإنّ كونهما مأمورتين بها بعد القرء إنّما هو بالأمر السابق على النهي لإطلاقه بالنسبة إلى جميع حالاتهما ، وإنّما ورد التقييد بسبب النهي بالنسبة إلى حال القرء فقط ، فتبقى حالاتهما الاخر داخلة في إطلاق الأمر السابق ، فالحكم بوجوب الصلاة عليهما بعد القرء لذلك ، لا لأنّ هذا المورد من وقوع الأمر عقيب الحظر ، ومع ذلك حكموا بوجوبها عليهما بعده ، لمنع صلاحية وقوعه بعده للصرف.
هذا ، وأيضا النزاع في صلاحيته للصرف وعدمها إنّما هو فيما إذا كان المخاطب عالما بالنهي السابق ، وملتفتا إليه أيضا حال الأمر ، وكذلك المتكلّم الآمر يكون عالما به وملتفتا إليه حينئذ ، وكيف كان فلا بدّ أن يكون كلاهما عالمين به وملتفتين إليه حينئذ.
ثمّ المراد بالأمر في المقام إنّما هو الأمر اللفظي ـ لا اللبّي (١) ـ فإنّ هذا النزاع ـ كما عرفت ـ إنّما هو بين القائلين بظهور صيغة الأمر في الوجوب ، ويكون غرضهم تحقّق أنّه إذا وقع عقيب الحظر ، فهو هل يصلح لصرفها عن
__________________
(١) الأمر اللبّي لا يكون له ظاهر وخلاف ظاهر ، حتّى يجري فيه ذلك. لمحرّره عفا الله عنه.