عنهم : ( لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى )(١) ، وذلك لكثرة إطلاقها على هذا المعنى في الكتاب العزيز ، كما في الآيات المتقدّمة الإشارة إليها المذكور فيها لفظ العبادة ، وكما في قوله تعالى : ( فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ )(٢) ، وقوله : ( وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً )(٣) ، وقوله : ( فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ )(٤) ، وقوله : ( لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ ، وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ )(٥) ، بل ولم نقف على موضع من الكتاب يراد بها غير هذا المعنى.
وبالجملة : فهذه الآية مساوقة لسائر الآيات المذكورة فيها لفظ العبادة جدّاً ، فيكون المراد بها بملاحظة اتّحاد السياق هو نفي الشرك وتخليص العبوديّة لله تعالى ليطاع وحده (٦) ، لا أنّ كلّ ما أمرهم به طاعة ، كما هو الحال في أخواتها أيضا ، فالمراد بالعبادة في الآية هو التوحيد الّذي هو أسّ أصول الدين ، كما أنّ الصلاة والزكاة المعطوفتين عليها من أسّ فروعه (٧).
وعلى هذا يصحّ جعل اللام في ( لِيَعْبُدُوا ) لغاية المأمور به على الوجه الثاني من الوجهين المتقدّمين ، فيكون المراد : أنّه لم يؤمر أهل الكتاب بشيء إلاّ لأجل كونه لطفا في التوحيد الّذي هو من أصول الدين ، وفي الصلاة والزكاة اللتين هما
__________________
(١) الزمر : ٣.
(٢) الزمر : ٢.
(٣) الكهف : ١١٠.
(٤) الزمر : ١٥.
(٥) الكافرون : ٢ و ٣.
(٦) في الأصل : ليطاع له وحده ...
(٧) فالآية مشتملة على أمّ المسائل الإلهية والأحكام الشرعية الفرعية ، وهي وجوب الصلاة والزكاة ، كما أنّه تعالى جمع بين التوحيد وبين حقوق الوالدين في قوله : ( وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ). [ الإسراء : ٢٣ ] لمحرّره عفا الله عنه