فقد ظهر أنّ المنهج الصحيح للبحث في ما نحن فيه بيان الأدلّة أوّلاً ثمّ تعيين الضابط ثانياً ، لأنّ الضابطة إنّما تؤخذ من متن الدليل لا غير ، والعجب من غير واحد من الأعاظم حيث عكس الأمر في كلامه فقدّم بيان الضابط على الأدلّة.
وعلي أيّ حال فالمعيار الصحيح عندنا في عدم انحصار الشبهة يرجع في الواقع إلى ما ذكره الشيخ الأعظم والمحقّق العراقي ٠ حيث إنّ الدليل المهمّ عندنا إنّما هو بناء العقلاء بما مرّ توضيحه.
ثمّ إنّه لو فرض تعدّد الدليل ، أي كان الدليل على عدم وجوب الاجتناب عند شخص وجوهاً من الأدلّة المذكورة فلابدّ من الأخذ بالأوسع منها كما لا يخفى.
الأمر الثاني : إذا شكّ في كون الشبهة محصورة أو غير محصورة فهل مقتضى القاعدة هو وجوب الاحتياط مطلقاً أو البراءة مطلقاً أو يختلف باختلاف المباني؟
لا إشكال في اختلافه على اختلاف المباني ، وبناءً على ما تبيّناه من تنجّز العلم الإجمالي مطلقاً عند العقل وأنّ القاعدة الأوّلية إنّما قاعدة الاحتياط واطلاق « اجتنب عن الخمر » يكون المرجع في صورة الشكّ الاحتياط لأنّ المقتضي وهو اطلاق الأدلّة موجود والمانع وهو المخصّص مفقود لعدم ثبوته عند الشكّ ، ومن الواضح أنّه لا ربط لهذا بقاعدة المقتضي والمانع حتّى يقال بعدم حجّيتها لأنّ المقصود من المقتضي هنا هو إطلاقات أدلّة الاجتناب عن المحرّمات لا غير.
وإن شئت قلت : إذا كانت الشبهة شبهة مفهومية للمخصّص فلا كلام في وجوب الرجوع إلى العام ، وإذا كانت الشبهة مصداقية فأيضاً يكون المرجع عموم العام لكون المخصّص لبّياً.
الأمر الثالث : هل المخالفة القطعيّة في الشبهة غير المحصورة أيضاً جائزة أو لا؟
يختلف هذا أيضاً باختلاف المباني ، فبناءً على كون الدليل هو الإجماع فمع فرض وجود معقد له لا إشكال في اطلاق المعقد وشموله للمخالفة القطعيّة والاحتماليّة معاً ، نعم يمكن أن يقال : بانصرافه عن المخالفة القطعيّة كما قال به الشيخ الأعظم رحمهالله.
وبناءً على كون الدليل هو لزوم الحرج فترجع المسألة إلى ما مرّ من البحث في أنّ الاضطرار إلى أحد الأطراف هل يوجب سقوط العلم الإجمالي عن التنجّز مطلقاً أو بالنسبة إلى خصوص المضطرّ إليه فالكلام في ما نحن فيه هو الكلام هناك.