وثانيهما : افتتاح الكتاب بما يدلّ على المأتيّ به في الكتاب ويسمّى ذلك في فنّ البديع براعة الاستهلال ؛ لقول عمرو بن مسعدة حين كتب إلى الخليفة (١) يعلمه أنّ بقرة ولدت عجلا بوجه إنسان : الحمد لله الذي خلق الأنام في بطون الأنعام (٢).
ونفي الهمل : نوع تأكيد وتكميل ، وفيه ردّ على من نفى التكليف (٣). والهامل : الذي لم يؤمر ولم ينه ولم ينظر له في جلب سدى ولا [ ... ] وأصله البهيمة الهاملة إذا أرسلت للرعي أنّى شاءت.
بل كلّفهم. « بل » حرف عطف. و « كلّفهم » حمّلهم. و « المشاقّ » جمع واحده مشقّ (٤) أو مشقّة ، وتقييده بالمشاقّ [ حمل على ] الأغلب إذ لا يدلّ الشاقّ على نفي غيره إلاّ بمفهوم الخطاب ، وليس حجّة على ما علم في الأصول ، ولهذا لم يأت المصنّف في تحديده للتكليف بقيد المشقّة.
والعلم : المراد به هنا [ غير الضروري ] ؛ لامتناع التكليف بالضروري ، والقصد بالعلم الراجح منع من نقيضه [ إذ لا علم يتعيّن ] بالظنّ.
واعلم أنّ قومنا منعوا من كون المعارف مقدورة لنا ، واستدلّوا [ بروايات ] كان منها :
« ومننت على عبادك بمعرفتك » (٥) ولا يحسن المنّ بغير المفعول ؛ [ لأنّ ] المنّ وقع بخلق الآلات كالحياة والعقل والمستدلّ به. وأخّر « العمل » وذلك لتأخّره طبعا ، وليكن ذلك سجعا.
قال : ( لينزجروا عن قبائح الأفعال ، وينبعثوا على محاسن الخلال ، ويفوزوا بشكر ذي العزّة والجلال ).
أقول : « اللام » في لينزجروا مقدّرة على الفقرتين الأخيرتين وهي لام الغرض
__________________
(١) الخليفة هو المأمون ، وعمرو بن مسعدة كاتبه.
(٢) شرح الكافية البديعيّة : ٥٩.
(٣) هم الجبريّة.
(٤) كذا في المخطوطة ، والصواب : شاق.
(٥) مصباح المتهجّد : ٥١٢ ، أدعية الساعات.