واليد بالبطش فيما
خلقها له من أمر بمعروف ، أو نهى عن منكر ، أو جهاد في سبيله ، أو إعانة ضعيف ، أو
إغاثة ملهوف ، أو وضع في محالّها من هيئات المصلّي.
والرجل بالسعي في
بقاعه التي أمر بالسعي إليها ، ورغّب بالعكوف عليها. وأشرفها بيته الحرام وكعبته
المقدّسة ، وحرم نبيّه عليه أفضل الصلاة والسلام ، ومشاهد الأنبياء والأئمّة عليهمالسلام ، والجوامع
والمساجد ، ومجالس العلم ، وزيارة الإخوان في الله تعالى.
وإن لم يكن هناك
ما يحتاج إلى البطش والتنقّل ، شغلها بالسكينة والوقار مستشعرا في جميع ذلك عظمة
بارئه وكمال منشئه ، معتقدا أنّ جميع ذلك من أعظم نعمه وأكبر مننه ، فحينئذ يحتاج
أن يشكره على حسن توفيقه لشكره ، وهلمّ جرّا. ولمّا خطر هذا لداود على نبيّنا وعليه
السلام وناجى به ربّه أجابه : «
إذا علمت أنّ ذلك منّي فقد شكرتني » .
وحينئذ نقول : هذه العبادات وخصوصا الصلاة فإنّها مشتملة على اللوازم الثلاثة المنبعثة
عن الاعتقاد القلبي ، ولا معنى للشكر عند الخاصّة إلاّ ذلك ، أو نقول : إنّ الشكر
يكون بفعل هذه الأمور أقرب إلى الوقوع وأبعد من الارتفاع ، وهو معنى اللطف في
الشكر. ولعلّ القائل عنى ذلك ، وهو في الحقيقة شعبة من المذهب الأوّل ؛ فإنّ
الأوّل زعم أنّها لطف في التكليف العقلي مطلقا ، وهذا يقول بأنّها لطف في نوع منه
، وهو الشكر ، وإن لم يكن الشكر بعينه على المصطلح العامّي.
وبهذا التوجيه
يعرف حال بقيّة الأحكام من حيث إنّ الندب كالتكملة للفرض ، واجتناب الحرام
والمكروه يوجب صيانة اللوازم عن تطرّق النقص. وهو مذهب حسن.
المذهب
الثالث : لجمهور الأشعريّة
وهو أنّ الأحكام إنّما شرّعت لمجرّد الأمر والنهي ، لا لغاية أخرى ، بناء على هدم
قاعدة الحسن والقبح العقليّين ، وأنّ أفعال البارئ جلّ ذكره معلّلة بالأغراض ، بل
على عدم الحاجة إلى العبادة أصلا.
ولعلّ الباعث على
هذا القول ليس هو هذا البناء ، وإنّما نظر إلى القول بالشكر
__________________