ولا شكّ أنّ الله
جلّ وعزّ لمّا أضافه إلى محلّه أضافه إلى القلب ، في قوله : ( إِلاَّ
مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) ، وفي قوله : ( كَتَبَ
فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ ) ، وفي قوله : ( يَشْرَحْ صَدْرَهُ
لِلْإِسْلامِ ) .
والمراد بالصدر
القلب لحلوله فيه ، ولمّا كان لغة التصديق ، ومحلّ التصديق القلب ، وأنّه سبحانه
أضافه إليه أيضا ، علمنا أنّ اللسان ليس من الإيمان في شيء ، ولا يحمل عليهما معا
دفعا للاشتراك والمجاز ، بل نقول : النطق باللسان مظهر له ، والأعمال الصالحة
ثمرات تؤكّده.
قوله : ( فمن حصّلها حصّل الإيمان ).
أقول : يحتمل أن يكون المراد الأصول ، أي من حصّل أصول الإيمان
حصّله ، والأقوى أنّ المراد به الكلمات ولهذا عقّب بقوله : « وهنّ الباقيات
الصالحات » ولا ريب أنّ من حصّلهنّ حصّل الأصول لاشتمالهنّ عليها ، ومن حصّل أصول
الإيمان حصّل الإيمان ، فنتج من هاتين المقدّمتين أنّ من حصّلهنّ حصّل الإيمان ،
فيكون بتحصيلهنّ العلم بمعانيهنّ المذكورة ، وإثبات كلّ واحد منها بالأدلّة
المشهورة ؛ ولأنّ سياق كلام المصنّف الحثّ على هذه الكلمات ، والترغيب في إدراك
معانيها ، ومن جملة ذلك :
قوله : ( وهنّ الباقيات الصالحات ).
أقول : إنّما اقتصر المصنّف ـ والله العالم ـ على ذلك لاشتهار
شرفهنّ ؛ ولأنّ الكتاب الإلهي ناطق بأفضليّتهنّ. قال الله ( عزّ وعلا ) : (
وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً ) ، وقال من
بالكبرياء تردّى : ( وَالْباقِياتُ
الصَّالِحاتُ خَيْرٌ
__________________