ولا شكّ أنّ الله جلّ وعزّ لمّا أضافه إلى محلّه أضافه إلى القلب ، في قوله : ( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) (١) ، وفي قوله : ( كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ ) (٢) ، وفي قوله : ( يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ ) (٣).
والمراد بالصدر القلب لحلوله فيه ، ولمّا كان لغة التصديق ، ومحلّ التصديق القلب ، وأنّه سبحانه أضافه إليه أيضا ، علمنا أنّ اللسان ليس من الإيمان في شيء ، ولا يحمل عليهما معا دفعا للاشتراك والمجاز ، بل نقول : النطق باللسان مظهر له ، والأعمال الصالحة ثمرات تؤكّده.
قوله : ( فمن حصّلها حصّل الإيمان ).
أقول : يحتمل أن يكون المراد الأصول ، أي من حصّل أصول الإيمان حصّله ، والأقوى أنّ المراد به الكلمات ولهذا عقّب بقوله : « وهنّ الباقيات الصالحات » ولا ريب أنّ من حصّلهنّ حصّل الأصول لاشتمالهنّ عليها ، ومن حصّل أصول الإيمان حصّل الإيمان ، فنتج من هاتين المقدّمتين أنّ من حصّلهنّ حصّل الإيمان ، فيكون بتحصيلهنّ العلم بمعانيهنّ المذكورة ، وإثبات كلّ واحد منها بالأدلّة المشهورة ؛ ولأنّ سياق كلام المصنّف الحثّ على هذه الكلمات ، والترغيب في إدراك معانيها ، ومن جملة ذلك :
قوله : ( وهنّ الباقيات الصالحات ).
أقول : إنّما اقتصر المصنّف ـ والله العالم ـ على ذلك لاشتهار شرفهنّ ؛ ولأنّ الكتاب الإلهي ناطق بأفضليّتهنّ. قال الله ( عزّ وعلا ) : ( وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً ) (٤) ، وقال من بالكبرياء تردّى : ( وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ
__________________
(١) النحل (١٦) : ١٠٦.
(٢) المجادلة (٥٨) : ٢٢.
(٣) الأنعام (٦) : ١٢٥.
(٤) الكهف (١٨) : ٤٦.