وذهب إبراهيم بن سيّار إلى نفي قدرته تعالى عن القبيح (١) ؛ لاستلزامه الجهل أو الحاجة لو فرضنا وقوعه ؛ إذ لا مجال فيه.
والجواب : أنّ من الممتنع إمّا امتناعه ذاتيّ وعدم القدرة عليه ظاهر ، ومنه ما هو غيريّ ، وهذا هو المراد هنا ، فإنّ الامتناع منه للصارف.
وذهب عبّاد إلى استحالة وجود ما علم الله عدمه ، واستحالة عدم ما علم وجوده ، ولا قدرة على مستحيل (٢).
والجواب : أنّ هذه الاستحالة عارضة فلا تزيل الإمكان الذاتي ؛ ولأنّه يلزم نفي قدرة كلّ مختار ، وهو ضروري البطلان.
وذهب الكعبي إلى نفي قدرته تعالى عن مثل مقدور العباد ؛ لأنّ فعلهم إمّا طاعة أو سفه أو عبث ، ويستحيل وقوع ما كان كذلك منه تعالى فلا قدرة (٣).
والجواب : أنّ هذه صفات عارضة تحصل بقصد الفاعل وليست لازمة للفعل بدليل انفكاكها عنه.
وأجاب نصير الدين القاشي ( رحمة الله عليه ) بأنّه :
إن أريد بالعبث ما ليس بطاعة منعنا عدم جوازه منه ، فإنّ أفعاله كلّها كذلك ؛ وإن أريد الفعل المنفيّ عنه الغاية الصحيحة عقلا وشرعا فالحكم ممنوع ، فإنّ المباحات جميعها خارجة عن الأقسام الثلاثة المذكورة بهذا التفسير (٤).
وذهب المرتضى والشيخ أبو جعفر والجبّائيان إلى نفي قدرته تعالى عن عين مقدور العبد ، وإلاّ لزم اجتماع قادرين على مقدور (٥).
والجواب : المنع من استحالة اللازم ؛ لأنّ قدرة الربّ متعلّقة بقدرة العبد حدوثا وبقاء ، وقدرة العبد متعلّقة بعين مقدوره ، فقدرة الربّ متعلقة بعين مقدور العبد ؛ إذ المتعلّق بالمتعلّق بشيء متعلّق بذلك الشيء.
__________________
(١) حكاه عنه في الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ : ٣٧٥.
(٢) حكاه عنه في اللوامع الإلهيّة : ١١٩ ؛ الفصل في الملل والأهواء والنحل ٥ : ٦٣.
(٣) حكاه عنه في اللوامع الإلهيّة : ١١٩ ؛ تلخيص المحصّل : ٣٠١.
(٤) حكاه عنه في إرشاد الطالبين : ١٩٢ ؛ اللوامع الإلهيّة : ١٢٠.
(٥) حكاه عنهم في إرشاد الطالبين : ١٩٢ ـ ١٩٣ ؛ تلخيص المحصّل : ٣٠١ ؛ اللوامع الإلهيّة : ١٢٠.