استحالتها عليه على المذهب الحقّ.
إن قلت : السوء والفحشاء مؤدّيان بعود المعنى إلى كونه لا يفعل قبيحا ولا يخلّ بواجب ، فكان من حقّه أن يصفه بذكر ما يناسب العدل ، لا بما وصفه من السلوب.
قلت : هذه أكبر سوء من ذينك ، فإنّه لو لم يتنزّه عن هذه لزمته تلك ؛ فإنّه لو لا نفي الحدوث والإمكان والحاجة والعجز والجهل لما انفكّ من فعل القبيح غالبا ؛ لمكان الجهل والحاجة ، وكذلك سائرها ، على أنّ نفي الحاجة يستلزم نفي البواقي ، فلو اقتصر المصنّف رحمهالله عليه جاز ، غير أنّه يكون غاية في الإيجاز إلاّ أنّ إدراك الملزوم من لازمه لا يتفطّن له إلاّ الفكر المستقيم.
ثمّ اعلم : أنّ سلب هذه المذكورات عنه تعالى مبنيّ على إثبات الوجوب له ، فإنّ كلّ واحدة منها تنافي الوجوب الثابت له ، فيجب نفيها ، ضرورة أنّ ثبوت أحد المتنافيين لذات ما يستلزم نفي الآخر عنها من غير عكس.
فائدة :
لمّا نزل قوله تعالى : ( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً ) (١) قالت اليهود : إنّ الله فقير يستقرض منّا ونحن أغنياء. عن الحسن ومجاهد (٢). فأنزل سبحانه : ( لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا ) (٣).
وعن عكرمة والسدي ومقاتل ومحمّد بن إسحاق :
أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بعث أبا بكر إلى يهود بني قينقاع يدعوهم إلى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وأن يقرضوا الله قرضا حسنا ، فدخل مدراسهم فوجد ناسا كثيرا منهم قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال : فنحاص بن عازورا فدعاهم إلى الإسلام والصلاة والزكاة ، فقال فنحاص : إن كان ما تقول حقّا فإنّ الله إذا لفقير ونحن أغنياء ، ولو كان غنيّا لما استقرضنا أموالنا! فغضب أبو بكر وضرب وجهه فأنزل الله هذه الآية (٤).
__________________
(١) البقرة (٢) : ٢٤٥ ؛ الحديد (٥٧) : ١١.
(٢) حكاه عنهما في مجمع البيان ٢ : ٤٦٠ ؛ التبيان ٢ : ٢٨٧.
(٣) آل عمران (٣) : ١٨١.
(٤) مجمع البيان ٢ : ٤٦٠.