( إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا ) (١). فقيل : لطيفا ، وقيل : عالما (٢). ويحتمل كون التحفيف هنا بمعنى الإحداق والإحاطة ، ومنه ( وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ) (٣). فعن قتادة والسدي يطوفون حوله (٤).
وتضعضع : تذلّل وتساقط عن منزلته ، وفي ذلك كلّه ترك التكبّر الواجب عليه.
قال أمير المؤمنين عليهالسلام : « أدنى الإنكار أن تلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرّة » (٥) وترك التكبّر على أهل المعاصي من الذنوب الكبار ؛ فلهذا كان قرينه في النار.
وقال عليهالسلام : « من بنى بنيانا رياء وسمعة حمله يوم القيامة من الأرض السابعة وهو نار تشعل ، ثمّ يطوّق في عنقه ويلقى في النار ، ولا يحبسه شيء دون قعرها إلاّ أن يتوب.
قيل يا رسول الله : كيف يبني رياء وسمعة؟ قال : يبني فضلا عمّا يكفيه استطالة منه على جيرانه ومباهاة لإخوانه » (٦).
وقال عليهالسلام : « من تعلّم القرآن ثمّ نسيه لقى الله يوم القيامة مغلولا ، يسلّط الله عليه بكلّ آية منه حيّة تكون قرينه إلى النار إلاّ أنّ يغفر له » (٧).
قلت : حفظ القرآن واجب على الكفاية فالنسيان هنا محمول على وقوعه اختيارا من ظنّ عدم قيام غيره مقامه. فيذهب التوعّد من النبيّ عند عدم أحد القيدين.
والمراد بالنسيان فعل سببه ، وهو عدم التكرار الموجب للنسيان ، فهو لازم لفعل العبد لكونه ليس مقدورا على الأصحّ ، ولهذا يقع للعبد وإن كرهه ، وينتفي عنه وإن أراده.
ولمّا كان فعل العبد تبعا لداعيه ، وليس النسيان تبعا لداعيه ، كان فعل العبد ليس
__________________
(١) مريم (١٩) : ٤٧.
(٢) التبيان ٧ : ١١٦ ـ ١١٧ ، ذيل الآية ٤٧ من سورة مريم (١٩).
(٣) الزمر (٣٩) : ٧٥.
(٤) مجمع البيان ٨ : ٥١١ ، ذيل الآية ٧٥ من سورة الزمر (٣٩).
(٥) التهذيب ٦ : ١٧٦ ـ ١٧٧ / ٣٥٦.
(٦) الفقيه ٤ : ٦ / ١.
(٧) الفقيه ٤ : ٦ / ١.