فعل الواجب لطفا ، بل به يحصل اللطف ، وفعل القبيح ليس لطفا في القبائح العقليّة ، بل تركه لطف في الواجبات العقليّة ).
أقول : الضغث ملء الكفّ من حشيش أو شماريخ ونحوها ، ونعني به هنا بعضا من جملة.
وهذا القول نوع من اللطف ، لكنّ القائل باللطف جعل نفس فعل الواجب والندب وترك الحرام والمكروه لطفا في العقل. وهذا جعل الفعل سببا في اللطف الذي هو زوال الترك ، فإذا زال الترك حصل منه زوال المفسدة التي هي القرب من المعصية والبعد من الطاعة.
ولم يجعل هذا ترك القبيح السمعي لطفا في ترك القبيح العقلي ، بل جعله لطفا في الواجب العقلي ؛ لأنّه قال : ترك القبيح لطف في حصول القرب من الطاعة والبعد من المعصية العقليّين اللذين هما المصلحة المذكورة.
وقوله : وفعل القبيح ليس لطفا في القبائح العقليّة ، الذي أظنّه فيه أنّه وقع من غلط الكتّاب ، فإنّ أصحاب اللطف لم يجعلوا فعل القبيح لطفا ، بل تركه لطفا في ترك الحرام كما قرّر المصنّف ذلك عنهم.
قال : ( ولعلّه نظر إلى مذهب الشكر بعين من قبله ، وإلى مذهب الأمر والنهي بعين الهدم ، ورأى غلبة القوى الشهويّة والغضبيّة على نوع الإنسان بحيث لو خلّي وطبعه لجمح به في المهالك باتّباع مقتضى الشهوة والغضب المعبّر عنهما بالحرام والمكروه. وترك الأفعال الحسنة معدّ لذلك ، ومسلّط عليه ، فجعل تلك الأفعال قيودا له ، لئلاّ يرتطم في المهلكات ويقتحم في التبعات ، فكان الغرض الذاتي عنده ترك مقتضى الطبع ، وترك العبادات ينافيه ، فكان الترك منافيا للغرض ، فوجب أو ندب الاشتغال بالفعل المحصّل للترك المذكور ).