وتخلّف العلم النظري عن تاركه ، ولو لا ذلك لجاز تخلّفه عن فاعله ، وحصوله لتاركه ، وهو باطل ضرورة ، فثبت أنّه طريق إليها ).
أقول : ما ذكره ظاهر الصحّة.
وقوله : ليس إلاّ ، معناه لا غير ، وذلك فنّ من صناعة البديع يسمّى الاكتفاء ، وهو أن تكون في العقل دلالة على بقيّة الكلام ، فيكتفي المتكلّم بالدلالة العقليّة عن ذكره.
وقد جاء منه في الكتاب العزيز السماوي ( وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى ) (١).
وفي الشعر :
لا أنتهي لا أنثني لا أرعوي |
|
ما دمت في قيد الحياة ولا إذا (٢) |
قوله : النظر مولّد ، هذا مذهب جماعة (٣). وقال آخرون : يحصل العلم عقيبه التزاما (٤) ، وآخرون : بالعادة ، ويجوز عدمه (٥). وقال فخر الدين : لا يجوز عدمه (٦).
واستدلّ المصنّف على التوليد بوجوه :
الأوّل : حصول العلم عقيبه ، وهذا كما يدلّ على التوليد يدلّ على الالتزام.
الثاني : حصول العلم بحسبه ، أي بحسب النظر وعلى وفقه ، وذلك أنّ من نظر في حدوث العالم حصل له دون علم الطبيعة وغيره ، وهذا أيضا يدلّ على الالتزام.
واعلم أنّ لفظة حسبه ـ مفتوحة السين ـ ومعناها ما ذكرناه ، والتي بسكون السين معناها
__________________
(١) الرعد (١٣) : ٣١.
(٢) شرح الكافية البديعيّة : ١٠٥.
(٣) كالمعتزلة ، راجع كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : ٢٤٠ ؛ المحصّل للرازي : ١٣٦ ؛ شرح المواقف ١ : ٢٤١.
(٤) انظر شرح المواقف ١ : ٢٤٦.
(٥) كالأشاعرة ، راجع كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : ٢٤٠ ؛ والمحصّل للرازي : ١٣٦ ؛ شرح المواقف ١ : ٢٤٣.
(٦) المحصّل للرازي : ١٣٦.