رضاه قرب الشرف لا قرب الشرف ؛ لامتناع المكان والزمان عليه تعالى ؛ لاستلزامهما حدوث المصاحب لهما.
وقوله : وفعل ما يرضيه عن المكلّف فيه نظر ؛ فإنّ الكلام في وجه الفعل ـ الذي هو أحد الغايات المذكورة ـ لا في نفس الفعل ، فكان الأتمّ أن يقال : التقرّب إليه بفعل ما يرضيه ؛ ليكون معناه أنّه يوقع الفعل على الوجه المأمور به.
نعم يمكن الاعتذار له ، بأنّه لم يقصد بالفعل الواقع بمباشرة الجوارح ، بل جمع همّته والتوجّه إلى رضاه ، فيكون الفعل المذكور من أفعال القلوب ، إلاّ أنّ الفعل لا يطلق عليها حقيقة.
قال : ( الثانية : المدح من العقلاء ، والثواب من الله تعالى ، والخلاص من العقاب وهاتان غايتا حسنه ).
أقول : يعني بهاتين : التقرّب والمدح إلى آخره.
أمّا حصول التقرّب في الأولى ، ونيل الثواب والمدح في الثانية ، فكونهما غاية حسنه أمر ظاهر.
وأمّا الخلاص من العقاب ، ففي كونه غاية حسنه منع ؛ إذ بتقدير عدم التكليف لا يتوجّه على الإنسان عقاب حتى يتوجّه خلوصه منه بالتكليف ، فيكون ذلك غاية حسن التكليف ، وإلاّ لعوقب الطفل والمجنون والبهائم وغيرها.
نعم على تقدير عدمه لا يتوجّه تقرّب ولا مدح ولا ثواب ، فإنّه لو لا التكليف لعدمت عنه تلك الغايات.
ولا يقال : لو لا التكليف لعدم عنه الخلاص من العقاب ؛ للزوم الظلم حينئذ ، مع أنّ المباح من التكليف على القول بأنّه تكليف ليس القرب ولا المدح غاية حسنه ، فإنّه لا يعقل التقرّب والمدح بما لا رجحان فيه. وسيأتي فيه مزيد كلام إن شاء الله تعالى.
قال : ( الثالثة : القرب من الطاعة والبعد من المعصية العقليين ، وهو المعبّر عنه باللطف. وهذه الغاية حاصلة بامتثال السمعيّات لا العقليّات ).