اشترطت بعلم صدق الرسول المستند إلى كمال المرسل فهو عقليّ. فظهر من ذلك عدم توقّف الشرعيّ عليها ، إلاّ أن يقال : لم يعن المصنّف بالأمارات المنسوبة من الشارع أنّها أوامر شرعيّة ، بل عنى أنّه نصب أمورا في عقل المكلّف دلّت على ذلك ، إمّا نوع إلهام ، أو خطور خاطر ، أو كلام ملك ، أو نحو ذلك. فالعلوم جامعة ، والقدرة واسعة.
قلت : هذا مقبول ، غير أنّه عائد إلى كمال العقل فذكره كاف.
قال : ( ولا يلزم توقّف العقلي على السمع ؛ لأنّه لا يلزم من علمه بالأمارات السمعيّة انحصار علمه ؛ لجواز حصوله بسبب آخر ).
أقول : لمّا شرط المصنّف نوعي التكليف بكمال العقل ونصب الأمارات استشعر لزوم الدور بأنّ العقلي لو شرط بالأمارات الشرعيّة ـ ولا شكّ أنّها مشروطة بالعقلي لأجل مجيء الرسول الثابت من العقل صدقه بها ـ لزم اشتراط كلّ واحد بالآخر وذلك دور ظاهر.
وعلم من هنا أنّه قصد بالأمارات أنّها أوامر شرعيّة ، ولو قصد بها الإلهام وأخويه لم يتوجّه الدور المذكور. فأجاب عن الدور : أنّه لا يلزم من علمه ـ أي علم النوع العقلي بالأمارات السمعيّة ـ انحصار علمه ؛ لجواز حصوله بسبب آخر أي حصول العلم بالعقليّ بشيء آخر غير السمعي. أمّا لو لم يكن إلى العلم بالعقلي سبيل سوى السمعي لزم الدور.
ونحن نقول : لا يلزم من وجود سبيل غيره نفي الدور ؛ لأنّ السمع إن أفاد شيئا في العقل لزم الدور فيه. وإن لم يفد سقطت شرطيّته ، إلاّ أن يقال : العقل دلّ عليه عقل آخر ، وجاء السمع مؤكّدا له.
فنقول : هذا مسلّم ، لكنّ المؤكّد ليس بشرط لحصول المشروط قبله بالسبب العقلي.
قال : ( ولعلّه إدراكه الأوّليّات والضروريّات ، والاقتدار على التصرّف فيهما لاقتناص النظريّات ).