أقول : لا بدّ من كون الفعل مقدورا لمن خوطب به ؛ لما ذكر من العلّة ، ولم يكتف بذكر إمكانه السالف عن هذا ؛ لأنّه لا يلزم من كون الشيء ممكنا ، كونه للعبد مقدورا بخلاف العكس ، فإنّ المقدوريّة ملزومة لإمكانه ، بخلاف العكس ، فوجود الملزوم يستلزم وجود اللازم بخلاف العكس. فظهر من ذلك أنّ ذكر مقدوريّته مغن عن ذكر إمكانه ، بخلاف العكس.
والصواب أنّ ذكر أيّهما كان مغن عن الآخر ؛ لأنّ الإمكان المذكور إنّما هو بالنسبة إلى العبد ، ولهذا علّل باستحالة التكليف بالمحال ؛ لكونه ليس مقدورا ، فظهر تلازمهما ، فلا فائدة في تكرارهما سوى الإيضاح كما ترى.
وقوله : علمه به ، أو تمكّنه من العلم ؛ لما ذكر يعني به لامتناع التكليف بالمحال.
وليس المراد من قوله : لما ذكر ، ما ذكره في أوّل الشروط الأربعة من قوله : الإعلام به ، أو التمكين منه ؛ فإنّه ليس في ذلك دليل على صحّة هذا حتّى يعلّله به ، بل ذلك مجرّد دعوى ، وهو أمر مضاف إلى المكلّف تعالى وهذا مضاف إلى العبد ، ولهذا أتى بالباء الزائدة الدالّة على التعدية هناك ، وحذفها هنا ، وإنّما لم يقتصر على العلم ؛ لأنّ الجاهل بالله متمكّن من العلم به ، مع أنّه مكلّف به.
قال : ( ولا يشترط إسلامه ؛ لعموم علّة الحسن. والفساد من سوء اختيار الكافر ).
أقول : يتلخّص الكلام هنا في بحث ذي ثلاث شعب :
[ الشعبة ] الأولى : لا يشترط إسلام المكلّف ؛ لعموم علّة الحسن ، وهي التعريض للثواب الذي لا يحسن الابتداء به على ما قرّره الأصحاب ؛ ولعموم ( يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ) (١) ونحوها ممّا يطول به الكتاب. ومنع من تكليف الكفّار بالفروع النعمان (٢) ، وهو محجوج بالمعقول (٣) والقرآن.
__________________
(١) البقرة (٢) : ٢١.
(٢) هو أبو حنيفة. راجع بدائع الصنائع ٢ : ٤ و ١٢٠ ؛ الفتاوى الهنديّة ١ : ١٧١ و ٢١٦.
(٣) راجع كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : ٢٥٣ و ٢٥٤.