عنه ، والعلم بالغنى عنه ؛ فإنّ الجاهل بغنائه عن القبيح قد يفعله لاعتقاد حاجته.
قال : ( إذا تمهّد ذلك ، فلو لم يجب التكليف على الله تعالى ، لزم عدم وجوب الزجر عن القبائح بل كان مغريا بها. والتالي باطل ؛ لاستحالة فعل القبيح ، والإخلال بالواجب عليه تعالى ، فكذلك المقدّم ).
أقول : قد سلف منّا ما يغني عن إيضاح ذلك ، فليراجع.
ثمّ قال : ( ولا تمنع الملازمة بعلم المدح والذمّ ؛ لأنّهما مخصوصان بما يستقلّ العقل بدركه ، لا بباقي السمعيّات ، ومع ذلك فكثير من العقلاء لا يعبأ بهما ، ويفعل بمقتضى الشهوة والغضب فيتحقّق الإغراء حينئذ ).
أقول : قوله : ولا تمنع الملازمة بعلم المدح والذمّ ، جواب سؤال مقدّر ، تقريره :
أنّ العلم بالمدح على الحسن ، والذمّ على القبيح كاف في الإقدام على الأوّل ، والإحجام عن الثاني ، فيحصل الزجر بذلك العلم ، فتوسّط الأمر والنهي عار عن الفائدة. والجواب من طريقين :
[ الطريق ] الأوّل : أنّ ما ذكرت من العلم الباعث والزاجر لا يطّرد ، بل هو فيما يستقلّ العقل بدركه خاصّة ، فيبقى القسم الآخر خاليا عن ذلك ، فليكن الأمر والنهي له ؛ لئلاّ يلزم الإغراء فيه.
الطريق الثاني : أنّ كثيرا من العقلاء لا يلتفت إليهما ، ويفعل مقتضى شهوته من غير نظر فيهما ، وإن نظر قدّم قضاء وطره عليهما ، فلو لا التكليف السمعيّ وما يترتّب عليه من المثوبات والعقوبات لعدم الانزجار الموجب للبأس عن كثير من الناس ، فصدّقت الملازمة حينئذ.
واعلم أنّ في هذين الجوابين نظر ؛ من حيث استلزامهما خروج بعض الأشخاص من علّة التكليف السمعي ، وهم المكتفون بالعلم بالمدح والذمّ عن الأمر والنهي ، وكذا يخرج ما يستقلّ العقل بدركه على ما عرفت ، فلا يكون التكليف السمعيّ عامّا إلاّ أن يقال : ما يستقلّ العقل بدركه ، والمكتفون بالمدح والذمّ جاء السمع مؤكّدا له ، مع