ميدانها غير مسخّرة للقوّة العاقلة كانت كالبهيمة قبل روضها ، تقودها الشهوة تارة ، والغضب تارة لأجل إثارة الوهم والتخيّل لهما إلى ملائمهما ، فيختلف تحرّكها لأجل اختلاف دواعيها ، فتكون أمّارة بالسوء.
وأمّا بعد روضها بغلبة القوّة العاقلة العمليّة حتى صارت النفس مؤتمرة بأوامرها منتهية من زواجرها انتظمت حركاتها ، فتكون مطمئنّة.
وإن خرجت القوّة الحيوانيّة عن طاعة القوّة العاقلة في بعض الأحيان ، ثمّ فاءت ولامت نفسها على ذلك ، كانت لوّامة ، وقد أشار في الذكر الحكيم (١) إلى الثلاثة في مواضع.
فرياضة النفس نهيها عن هواها وأمرها بطاعة مولاها ، ( وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى ) (٢).
وجناب القدس ومحلّ الأنس. إشارة إلى الالتفات إلى الحقّ تعالى ، فإنّ من قاد نفسه في تلك الطرائق وصرفها عن تلك العوائق ، طهرت عن الكدورات ، وأنست بمحبوبها في الخلوات.
بقي أن نعرف معنى الخيال والوهم والإحساس والعقل.
فالخيال قوّة مركوزة في التجويف الأوّل من الدماغ ، وفعلها حفظ الصورة المحسوسة بعد غيبتها عن الحسّ ، ويمكن أن يريد به المتخيّلة ، وهي قوّة مركوزة في التجويف الأوسط في الدماغ ، وفعلها التصرّف في ما في الوهم والحافظة ، وقد يستعين العقل بها في المعقولات ؛ لأنّها آلة الوهم الذي هو آلة العقل.
والوهم : قوّة مركوزة في آخر التجويف الأوسط من الدماغ ، وفعلها إدراك المعاني
__________________
(١) في قوله تعالى : ( وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي ) يوسف (١٢) : ٥٣. وفي قوله تعالى : ( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً ) الفجر (٨٩) : ٢٧. وفي قوله تعالى : ( وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) القيامة : (٧٥) : ٢.
(٢) النازعات (٧٩) : ٤٠ ـ ٤١.