المقدمة
بسم الله الرّحمن
الرحيم
اعتنى السلف
الصالح بالقرآن عناية بالغة منذ صدور الإسلام ، ومن العلوم التي أولوها عناية خاصة
معرفة غريب القرآن ، وهذا الباب عظيم الخطر ؛ لذا تهيب كثير من السلف تفسير القرآن
، وتركوا القول فيه حذرا أن يزلوا فيذهبوا عن المراد ، وإن كانوا علماء باللسان
فقهاء في الدين ، وكان الأصمعي وهو إمام اللغة لا يفسر شيئا من غريب القرآن.
وليس لغير
العالم بحقائق اللغة وموضوعاتها تفسير شيء من كلام الله ، ولا يكفي في حقه تعلم
اليسير منها ، فقد يكون اللفظ مشتركا وهو يعلم أحد المعنيين والمراد المعنى الآخر
، وهذا أبو بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ من أفصح قريش ، سئل أبو بكر عن (الأبّ)
فقال أبو بكر : " أي سماء تظلني ، وأي أرض تقلني إذا قلت في كلام الله ما لا
أعلم! " ، وقرأ عمر سورة (عبس) فلما بلغ (الأبّ) قال : " الفاكهة قد
عرفناها ، فما الأب؟ ثم قال : لعمرك يا ابن الخطاب إن هذا لهو التكلف".
وهذا الفن
ضروري للمفسر ، وإلا فلا يحل له الإقدام على كتاب الله تعالى ، قال يحيى بن نضلة
المديني : سمعت مالك بن أنس يقول : لا أوتي برجل يفسر كتاب الله غير عالم بلغة
العرب إلا جعلته نكالا.
وقال مجاهد :
لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالما
بلغات العرب.
ويحتاج الكاشف
عن غريب القرآن إلى معرفة علم اللغة ، وإلى الدراية الواسعة بكلام العرب شعره
ونثره ، روى عكرمة عن ابن عباس قال : إذا سألتموني عن غريب اللغة فالتمسوه في
الشعر ؛ فإن الشعر ديوان العرب.
ومسائل نافع بن
الأزرق لابن عباس عن مواضع من القرآن واستشهاد ابن عباس في كل جواب ببيت معروف
مشهور ، وعليه فإن معنى الغريب هو : معرفة مدلول اللفظ وتصيد المعاني من السياق ؛
لأن مدلولات الألفاظ خاصة! وقد صنف فيه جماعة ؛ منهم أبو عبيدة كتاب (المجاز) ،
وأبو عمر غلام ثعلب (ياقوتة الصراط)