وغيرها ، ولأنها عدد تنحصر فيه المعدودات الكثيرة ، إذ كلّ أحد يحتاج في حاجته إلى زمان ومكان ، والزمان منحصر في سبعة أيام ، والمكان في سبعة أقاليم.
فإن قلت : المقصود هنا التفخيم والتعظيم ، فكيف أتى بجمع القلة في قوله : (لِكَلِماتِ رَبِّي؟)
قلت : جمع القلة هنا أبلغ في المقصود ، لأن جمع القلّة إذا لم ينفد بما ذكر من الأقلام والمداد ، فكيف ينفد به جمع الكثرة؟!
٤ ـ قوله تعالى : (كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ..) [لقمان : ٢٩] الآية.
قاله هنا بلفظ (إِلى) وفي فاطر (١) ، والزمر بلفظ اللام ، لأن ما هنا وقع بين اثنتين دالّتين على غاية ما ينتهي إليه الخلق ، وهما قوله تعالى : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ) وقوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً) الآية ، فناسب ذكر (" إِلى ") الدالة على الانتهاء ، والمعنى لا يزال كلّ من الشمس والقمر جاريا ، حتى ينتهي إلى آخر وقت جريه المسمّى له ، وما في فاطر والزمر خال عن ذلك ، إذ ما في فاطر لم يذكر مع ابتداء خلق ولا انتهاء به ، وما في الزمر ذكر مع ابتداء به فناسب ذكر اللام المعدّية ، والمعنى : يجري كل مما ذكر لبلوغ أجل.
٥ ـ قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ ..) [لقمان : ٣٤] الآية.
أضاف فيها العلم إلى نفسه في الثلاثة من الخمسة المذكورة ، ونفى العلم عن العباد في الأخيرين منها ، مع أن الخمسة سواء في اختصاص الله تعالى بعلمها ، وانتفاء علم العباد بها ، لأن الثلاثة الأول أمرها أعظم وأفخم ، فخصّت بالإضافة إليه تعالى ، والأخيرين من صفات العباد ، فخصّا بالإضافة إليهم ، مع أنه إذا انتفى عنهم علمهما ، كان انتفاء علم ما عداها من الخمسة أولى.
فإن قلت : لم قال تعالى : (بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) ولم يقل : بأيّ وقت تموت ، مع أن كلا منهما غير معلوم لغيره ، بل نفي العلم بالزمان أولى ، لأن من الناس من يدّعي علمه ، بخلاف المكان؟
قلت : إنما خص المكان بنفي علمه ، لأن الكون في مكان دون مكان في وسع
__________________
(١) في فاطر (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ..) (١٣).