فإن قلت : لو كان المراد ذلك ، لما خفي على أفصح العرب ، وأعلمهم بأساليب الكلام ، حتى قال لما أنزلت هذه الآية : " لأزيدنّ على السبعين ، لعلّ الله أن يغفر لهم" قلت : لم يخف عليه ذلك ، وإنما أراد بما قال إظهار كمال رأفته ، ورحمته بمن بعث إليهم ، وفيه لطف بأمته وحثّ لهم على المراحم ، وشفقة بعضهم على بعض ، وهذا دأب الأنبياء عليهمالسلام ، كما قال إبراهيم عليهالسلام (وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [إبراهيم : ٣٦].
٢٥ ـ قوله تعالى : (وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) [التوبة : ٨٧]. قاله هنا بالبناء للمفعول ، وقال بعده : (وَطَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) بالبناء للفاعل ، لأن الأول تقدّمه مبنيّ للمفعول وهو قوله : (وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) والثاني تقدّمه ذكر الله مرّات ، فناسب بناء الأول للمفعول ، والثاني للفاعل ، ليناسب الفاعل ما قبله ، ثم ختم كلا منهما بما يناسبه ، فقال في الأول : (لا يَفْقَهُونَ) وفي الثاني : (لا يَعْلَمُونَ) لأنّ العلم فوق الفقه أي الفهم.
٢٦ ـ قوله تعالى : (وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) [التوبة : ٩٤] قاله هنا ب (ثُمَ) بحذف (وَالْمُؤْمِنُونَ) وقاله بعدها بالواو ، وبذكر (وَالْمُؤْمِنُونَ.)
لأنّ الأول في المنافقين ، ولا يطّلع على ضمائرهم إلّا الله ، ثم رسوله بإطلاع الله إياه عليها. والثاني في المؤمنين ، وطاعاتهم وعباداتهم ظاهرة لله ولرسوله وللمؤمنين ، وختم الأول بقوله : (ثُمَّ تُرَدُّونَ) ليفيد قطعه عمّا قبله ، لأنه وعيد .. وختم الثاني بقوله (وَسَتُرَدُّونَ) ليفيد وصله بما قبله لأنه وعد ، فناسب في الأول (ثُمَ) وحذف (وَالْمُؤْمِنُونَ) وفي الثاني" الواو" وذكر (وَالْمُؤْمِنُونَ.)
فإن قلت : السّين في (سَيَرَى اللهُ) للاستقبال ، والرؤية بمعنى العلم ، والله تعالى عالم بعلمهم حالا ومآلا ، فكيف جمع بينهما؟!
قلت : معناه في حقّ الله ، أنه سيعلمه واقعا مآلا ، كما علمه غير واقع حالا ، لأن الله تعالى يعلم الأشياء على ما هي عليه ، فيعلم الواقع واقعا ، وغير الواقع غير واقع ، أمّا في حقّ الرسول فهو على ظاهره.
٢٧ ـ قوله تعالى : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما