قال تعالى : (وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى)(١). قوله : (فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ)(٢) أي لا يتيسّر فيه أمر. وعسّرني الرجل : طالبني حين العسرة. وروي عن ابن مسعود ، وقيل : عن ابن عباس : «أنه لما قرأها قال : لن يغلب عسر يسرين» (٣) قلت : قال الفراء وغيره : العرب إذا ذكرت نكرة ثم أعادتها بنكرة مثلها صارتا ثنتين ، وإذا أعادتها بمعرفة فهي هي. تقول : إذا كسبت درهما فأنفق درهما. فالثاني غير الأول وتقول : إذا كسبت درهما فأنفق الدرهم ، فالثاني هو الأول بعينه. فهذا معنى قول ابن مسعود لأنّ الله تعالى لما ذكر العسر ثم أعاده بالألف واللام علمت العرب أنه هو. ولما ذكر يسرا بلا ألف ولام ثم أعاده بغير ألف ولام علموا أن الثاني غير الأول. وفي حديث رافع بن سالم : «وفينا قوم عسران» (٤) هو جمع أعسر نحو أعور وعوران وأعمى وعميان. والأعسر أشدّ رميا من غيره.
ع س ل :
قوله تعالى : (وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى)(٥). العسل معروف وهو ما يمجّه هذا الطير المعروف الذي ألهمه الله تعالى ذلك. يقال إنه يمتصّ النّدى الذي ينزل من السماء ثم يمجّه من فيه لا من دبره ، والشمع الذي فيه ليس من بطنه وإنما هو حدّه في رجليه ، ويبني به بيوتا مسدّسة يكون فيها العسل. حدّثنا بذلك جماعة ممّن يربّون النحل ويسافرون به برا وبحرا (٦). فسبحان من أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى (٧). ولما ذكرنا من كون النحل ـ يمجّ (٨) مجّا لا أنه يروثه من دبره ، قال ابن الروميّ منبها في ذلك : [من البسيط]
في زخرف القول تزيين لباطله |
|
والحقّ قد يعتريه سوء تغيير |
__________________
(١) ٦ / الطلاق : ٦٥.
(٢) ٩ و ١٠ المدثر : ٧٤.
(٣) وحدده ابن الأثير في ابن مسعود (النهاية : ٣ / ٢٣٥).
(٤) النهاية : ٣ / ٢٣٦.
(٥) ١٥ / محمد : ٤٧.
(٦) أنظر حياة الحيوان : ٢ / ٥٩٨ ـ ٦١١.
(٧) من الآية : (قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) (٥٠ / طه : ٢٠).
(٨) في ح : يمج النحل ، فأسقطناها لتكرارها.