إليه فله الثواب ، وأنّ ما يحصّله لنفسه وإن كان متناولا من حيث يجوز على الوجه ، فقلما ينفكّ [من](١) أن يكون عليه ، إشارة إلى ما قيل : «من أراد الدنيا فليوطّن نفسه على المصائب».
والكسب ـ في الأصل ـ ما يتحرّاه الإنسان ممّا فيه جلب نفع أو دفع ضرّ. وغلب استعماله في تحصيل الأموال وتوابعها. قال الراغب (٢) : وقد يستعمل الكسب فيما يظنّ الإنسان أنه يجلب منفعة ثم استجلب به مضرّة. فالكسب فيما أخذه لنفسه ولغيره ، ولهذا قد تعدّى لمفعولين ، نحو : كسبت زيدا مالا. والاكتساب لا يقال إلّا فيما استفدته لنفسك ، فكلّ اكتساب كسب ، وليس كلّ كسب اكتسابا ، وذلك نحو : خبز واستخبز ، وشوى واشتوى انتهى. ففرّق بينهما من هذه الحيثية. وهي ـ في التحقيق ـ راجعة إلى ما قدمته. ثم في نحو : خبز واستخبز نظر ، وكأنه سبق قلم أو لسان ، وصوابه : واختبز ، ويدلّ عليه قوله بعد ذلك : وشوى واشتوى ، وذلك أنّ كلامه في الفرق بين فعل وافتعل ، لا بينه وبين استفعل.
وحكى ابن الأعرابيّ : أكسبت زيدا مالا ، وأنشد : [من الطويل]
فأوسعته مدحا وأوسعني قرى |
|
وأكسبني مالا وأكسبته حمدا |
قوله : (ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ)(٣) يجوز أن تكون ما مصدرية فتتأوّل مع ما بعدها بمصدر أي وكسبه. ثم هذا الكسب يجوز أن يكون باقيا على مصدريته بطريق الأصالة ، وأن يكون واقعا موقع المفعول ، وحينئذ فيجوز أن يراد به المال الذي كسبه. وقيل : يجوز أن يراد به الولد ، والولد من كسبه. ويجوز أن تكون ما موصولة بمعنى الذي ، وحينئذ يراد به المال أي والذي كسبه. قيل : ويجوز أن يراد به الولد ، وفيه ضعف من حيث إن ما لغير العاقل عند الجمهور ، وفي الحديث : «إنّ أطيب ما أكل المرء من كسبه وإنّ ولده من كسبه» (٤).
__________________
(١) إضافة مناسبة للسياق.
(٢) المفردات : ٤٣٠.
(٣) ٢ / المسد : ١١١.
(٤) النهاية : ٤ / ١٧١.