والكثيرة. والكرم لا يقال إلا في الكثيرة ، كما فعل عثمان رضي الله عنه في تجهيز جيش العسرة ، وكمن يتحمّل حمالة يحقن بها دم قوم.
قوله : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ)(١) إنّما كان كذلك لأنّ الكرم ـ كما تقدّم ـ الأفعال الحميدة ، وأكثرها ما قصد به أشرف الوجوه ، وأشرف الوجوه ما قصد به وجه الباري تعالى ، ولا يفعل ذلك إلا الأتقياء. فمن ثمّ كان أكرم الناس عند ربّهم أتقاهم له ، وكلّ شرف في بابه يوصف بالكرم ، وعليه قوله : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ)(٢). وقيل : معناه جمّ الفوائد وكلّ ذلك مراد. وقوله : (كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ)(٣)(بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ)(٤) أي جعلهم كراما.
قوله : (كِراماً كاتِبِينَ)(٥) وصفهم بذلك لشرفهم في أبناء جنسهم. ونخلة كريمة أي طيبة الحمل أو كثيرته ، وشاة غزيرة اللبن.
قوله : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً)(٦) أي منزّهين أنفسهم عن سماعه وعن قوله. وقيل : معرضين عنه قد أكرموا أنفسهم بعدم الدخول فيه ، وقيل : غير مؤاخذين قائلين كقوله : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً)(٧).
قوله : (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)(٨) كرمه أن خلص من متعبات الدنيا في تحصيله ، ومن الشّبه المقترنة بالمكاسب والأرزاق ، ومن الأسقام العارضة من تناوله عند الإفراط فيه ومن الحرص عليه والشحّ به على مستحقّيه. وقيل : أكرم عمّا في الدنيا من الانقطاع والتنغيص والفساد.
__________________
(١) ١٣ / الحجرات : ٤٩.
(٢) ٧٧ / الواقعة : ٥٦.
(٣) ٧ / الشعراء : ٢٦.
(٤) ٢٦ / الأنبياء : ٢١.
(٥) ١١ / الانفطار : ٨٢.
(٦) ٧٢ / الفرقان : ٢٥.
(٧) ٦٣ / الفرقان : ٢٥.
(٨) ٧٤ / الأنفال : ٨.