النبيّ صلىاللهعليهوسلم ما أوحي به إليه عن الله تعالى فناسب أن يصفه بشديد القوى فعرّفه وجمعه تنبيها أنه إذا اعتبر بهذا العالم وبالذين يعلّمهم ويفيدهم هو كثير القوى عظيم القدرة.
قوله : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ)(١) قيل : هي الرمي ، وقيل : إنّ ذلك مرفوع إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : هو السلاح والعدّة. ثم القوة تستعمل على أوجه ؛ أحدها : بمعنى القدرة على الشيء والإطاقة له نحو : هو قويّ على عمل كذا ، ومنه : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) ، الثاني : للتّهيّؤ الموجود في الشيء نحو قولنا : الإنسان كاتب بالقوّة. وأن يقال : النّوى بالقوة نخل أي أنه متهيء لأن يجىء منه ذلك. وأكثر من يستعمل القوة بهذا المعنى الفلاسفة ، ويقولون : ذلك على وجهين : أحدهما أن يقال لما كان موجودا ، فيقال : كاتب بالقوّة أي معه المعرفة لكنه ليس ملتفتا لها. والثاني : أن يقال : هو كاتب بالقوة وليس معه معرفة بذلك ولكنّه قابل للتعلّم في الجملة ، إذ هو من جنس يمكن تعلّمه ذلك. ويقابلونها بالفعل فيقولون : هذا كاتب بالفعل أي متلبّس بذلك.
قوله تعالى : (تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ)(٢) قيل : هم الذين فني زادهم. وحقيقتهم النازلون بالأرض القواء ، وهي القفر من الأرض ؛ يقال : أقوى الرجل : إذا صار في قواء ، كأترب : إذا صار في التراب. ويقال لها القيّ أيضا. وفي حديث عائشة رضي الله عنها : «وبي رخّص لكم في صعيد الأقواء» (٣) الأقواء : جمع قواء وهو القفر من الأرض ، قاله الهرويّ وفيه نظر من حيث إنّ فعالا لا يطّرد جمعه على أفعال. وفي الحديث ـ أيضا ؛ «صلّى بأرض قيّ» (٤) والأصل قوء فقلبت الواو الأولى ياء ثمّ قلبت الثانية كذلك لأنه صار من باب ميّت وسيّد. وقيل : إنما قيل : لهم مقوون لأنّ من نزل بالقفر حصل له فقر ، وفي عبارة بعضهم (٥) : وتصوّر من حال الحاصل في القفر الفقر ، وهو تجانس بديع.
__________________
(١) ٦٠ / الأنفال : ٨.
(٢) ٧٣ / الواقعة : ٥٦.
(٣) النهاية : ٤ / ١٢٧.
(٤) النهاية : ٤ / ١٣٦ ، وذكره في مادة «قيي» والحديث لسلمان.
(٥) هو الراغب كما في المفردات : ٤١٩.