ق د ر :
قوله تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ)(١) أي ما عظّموه حقّ تعظيمه ولا عرفوه حقّ معرفته. قال الراغب (٢) : تنبيها أنه كيف يمكنهم أن يدركوا كنهه وهذا وصفه. وهو قوله : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ)(٣)؟
قوله تعالى : (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ)(٤) أي أن لن نضيق ، والتقدير : التضييق ، ومنه قوله تعالى : (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ)(٥). وعن ابن عباس أن معاوية أرسل خلفي فقال : ضربتني أمواج القرآن. قال : فيماذا؟ قال : في قوله : (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) ، أيظنّ عبد من عبيد الله أنّ الله لا يقدر عليه ، فضلا عن نبيّ من الأنبياء؟ فقال له : ليس ذلك من القدرة ، إنما هو التقدير بمعنى التّضييق. وتلا قوله تعالى : (فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ)(٦) قال الهرويّ : يعني قدرنا عليه من كونه في بطن الحوت.
يقال : قدر وقدّر بمعنى واحد ، وليس من القدرة في شيء. وقال أبو الهيثم : فظنّ أن لن نقدر عليه العقوبة. قال : ويحتمل أن يكون تفسيره أن لن نضيّق عليه.
قوله تعالى : (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٧) وهذا عامّ خصّصه العقل كما حققناه في غير هذا الموضع. ثم القدرة إذا وصف بها الإنسان فاسم لهيئة له بها يتمكّن من فعل شيء ما. وأمّا إذا وصف بها الباري تعالى فنفي العجز عنه. ومحال أن يوصف غير الله تعالى بالقدرة المطلقة معنى ، وإن أطلق عليه لفظا ، بل حقّه أن يقال : هو قادر على كذا. ومتى قيل : هو قادر فعلى سبيل معنى التّقييد ، ولهذا لا أحد غير الله يوصف بالقدرة من وجه ، إلّا ويصحّ أن يوصف بالعجز من وجه آخر ، والباري تعالى هو الذي ينتفي عنه العجز من كلّ وجه ، جلّ وعزّ.
__________________
(١) ٦٧ / الزمر : ٣٩ ، وغيرها.
(٢) المفردات : ٣٩٦.
(٣) ٦٧ / الزمر : ٣٩.
(٤) ٨٧ / الأنبياء : ٢١.
(٥) ١١ / سبأ : ٣٤.
(٦) ١٦ / الفجر : ٨٩.
(٧) ٢٨٤ / البقرة : ٢ ، وغيرها.