تقنّعت بأحدهما وأعطتهم الآخر ، فيا لها من منقبة فاز بها آل أبي بكر وأولاد الزّبير. وقد قالها الخبيث الحجاج لما صلب فلذة كبدها قال : يابن ذات النطاقين. فقال : لو عرفتم ما شأن ذات النطاقين! فمن ثمّ قال عبد الله لأهل الشام ما قال ، وأوقع إنشاده هذا العجز من البليغ.
قوله تعالى : (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً)(١) الظاهر أنه أراد بظهورها رؤية المسافرين إياها ونزولهم بها ذهابا وإيابا. وقيل : هو مثل لأحوال (٢) من تقدّمهم من أهل القرى. وهذا تذكير لأهل مكة ؛ فإنهم كانوا يمرّون في سيرهم إلى الشام بقرى ثمود ولوط ، فنبّههم على الاعتبار بها كما نبّه أهل سبأ على ذلك. قوله : (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً)(٣) أي لا يطلع. قوله : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)(٤) يجوز أن يكون من الغلبة والمعاونة ، أي ليعليه على الدّين كلّه ويغلّبه أيضا ، وأن يكون من البروز وعدم الخفاء. قوله تعالى : (وَحِينَ تُظْهِرُونَ)(٥) أي تدخلون في الظهيرة ؛ وهي وسط النهار وشدة الحرّ. وقيل : تصلون الظهر. ويقال : أظهر وأصبح وأمسى : دخل في هذه الأوقات. وقد جمعت الآية الكريمة بين ذلك كلّه في قوله تعالى : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ)(٦)(وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا) الآية (٧).
قوله : (الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ)(٨) قيل : الظّهر هنا استعارة. والوزر المشار إليه (٩) : العبء الذي حصل له من تحمّل النبوّة ، لا الذّنوب حاشا لله. وذلك أنّ أمر النّبوة ثقيل جدا يعجز عنه البشر من حيث هو بشر لو لا التأييد الإلهيّ والفيض الربّانيّ حتى أطاقها الأنبياء
__________________
(١) ١٨ / سبأ : ٣٤.
(٢) وفي ح : الأحوال.
(٣) ٢٦ / الجن : ٧٢.
(٤) ٣٣ / التوبة : ٩.
(٥) ١٨ / الروم : ٣٠.
(٦) ١٧ / الروم : ٣٠.
(٧) ١٨ / الروم : ٣٠.
(٨) ٣ / الشرح : ٩٤.
(٩) في الآية : ٢ / الشرح : ٩٤.