يعني أنّه بمنزلة المعين للشيطان على الرحمن من حيث طاعته له وعصيانه لربّه. وقيل : إنّ معناه هين أي وكان هيّنا عليه. قال أبو عبيدة : الظّهر : المظهور به ، أي هينا على ربّه كالشيء الذي خلّفته من قولك : ظهرت بكذا أي خلّفته.
قوله : (وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا)(١) أي غير معتدّ به ولا ملتفت إليه ، وهو ما تجعله بظهرك فتنساه ، وأصله من قولهم : بعير ظهريّ ، أي معدّ للركوب. قوله : (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ) و (يَظْهَرُونَ)(٢) أي يشبّهون [ظهور] أزواجهم بظهر أمهاتهم ، فيقولون : «أنت عليّ كظهر أمي» (٣) وكان طلاقا في الجاهلية فغيرّ الشارع حكمه ، ثم اتّسع الفقهاء فيه فقالوا : أن يشبّه زوجته بعضو من أعضاء محارمه الإناث بتفصيل مذكور في كتب الفقه. وقد سماه الله تعالى : (مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً)(٤) وأوجب به الكفارة العظمى التي نصّ عليها.
والظّهور : ضدّ الخفاء ؛ قال تعالى : (وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ)(٥) أي بدا ما وعد الله به رسوله والمؤمنين من النصر ، وفشا دين الإسلام. وأصل ذلك من حصول الشيء على وجه الأرض ، / وضدّه بطن أي حصل في بطنان الأرض فخفي (٦) ، ثم صار مستعملا في كلّ بارز للبصر والبصيرة. وقوله تعالى : (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا)(٧) أي يعلمون الأمور الدّنيوية دون الأخروية. ثم إنهم لا يعلمون من تلك الأمور إلا ظاهرها دون باطنها. ولو علموا ذلك لا تّضح لهم الحقّ وبان ضدّه. وقولهم : علم الظاهر وعلم الباطن ، يشيرون
__________________
(١) ٩٢ / هود : ١١.
(٢) ٢ / المجادلة : ٥٨. قرأ أبي «يتظهّرون». و «يظّهّرون» قراءة قتادة والحسن ونافع. و «يظّاهرون» يحيى والأعمش وحمزة وبعض أهل الحجاز. وقرأها عاصم والسلمي «يظاهرون» (مختصر الشواذ : ١٥٣ ـ معاني القرآن للفراء : ٣ / ١٣٨).
(٣) وهو طلاق الظّهار. ويقولون كذلك : «هي عليّ كظهر ذات رحم». كانت العرب تطلق نساءها بهذه الجملة. فلما جاء الإسلام نهوا عنه وأوجبت الكفارة على من ظاهر امرأته ، وأصله مأخوذ من الظهر (اللسان ـ ظهر).
(٤) ٢ / المجادلة : ٥٨.
(٥) ٤٨ / التوبة : ٩.
(٦) وفي س : فيخفى.
(٧) ٧ / الروم : ٣٠.