فهو أولى منه فالخِفَّة تطالِبُ به وأما الكثرة فان ما كَثُر في الكلام أحقُّ بالتخفيف ولها كثرة ليست لغيرها من الحروف لانه لا تخلو كلمة منهن أو من بعضهن اذ لو أشْبَعْتَ الضمةَ لصارت واوا ولو أشبعتَ الفتحة لصارت ألفا ولو أشبعت الكسرة لصارت ياء فالكثرة تطلب التخفيف على ما بينا وأما المناسبة فتَطْلُب جوازَ قلب بعض الى بعض من غير اخلال بالكلمة من قِبَل أن المُقارِبَ للحرف يقوم مقام نفس الحرف فكانه قد ذُكِرَ بذكره نفس الحرف وليس كذلك المُتَباعِدُ منه فلهذه العلة من اجتماع الاسباب الثلاثة كانت أحَقَّ بالابدال من غيرها ثم الهمزةُ فهى أحق بالزيادة مما لا يزاد من حروف المعجم لشبهها بحروف العلة من جهاتِ الحذفِ وجَعْلِها بَيْنَ بَيْنَ وقلبِها على حركة ما قبلها ومن أجل أنها من أقصى الحلق فاذا أُبْدِلَتْ أوّلا جَرَى اللسانُ الى جهة القُدّام فهذا يَطَّرِدُ عليه الابدالُ فلاجتماع الشيئين من مناسبة حروف العلة وأنها من أقصى الحلق يستمرُّ بها اللسانُ لاخراج الحرف جاز أن تبدل من غيرها فهذه الاربعةُ الأحرِف لها في الابدال ما ذكرنا فالتاء تبدل من الواو لشبهها بها في المقاربة لاتساع المخرج فلذلك جاء تُرَاثٌ وتُخَمةٌ وتَقِيَّةٌ وما أشبه ذلك ثم النون لانه أشْبَهَ حروف العلة في الترنم بها كالتلحين لحروف العلة وما فيها من الغُنَّة كما في حروف العلة من المَدّ ثم الميم لانها مُؤِاخية للهمزة (١) لانها من مخرجها وهذه الحروف من حروف الزيادة قد بانت مراتبها ثم الطاء تبدل من التاء في افتعل من الصبر فتقول اصْطَبَر لانها حرفٌ وَسَطٌ بين الحرفين اذ كانت تُواخِى التاءِ بالمخرج والصادَ بالاستعلاء والاطباقِ ثم الدال تبدل مع الزاى في افتعل من الزينة فتقول ازْدانَ لانها تُواخِى الزاىَ بالجهر والتاءَ بالمخرج ثم الجيم تبدل من الياء في تَمِيمىٍّ ونحوه تَميمجّ لانها تُواخى الياءَ بالمخرج مع الطلب لحرف أَجْلَدَ من الياء في الوقف اذا كانت الياء تخفَى في الوقف لاتساع مخرجها فأبدل منها الجيم لانها والياءَ والشينَ من مخرج واحد وهو وَسَطُ اللسان ثم الصاد تبدل من السين مع الطاء في الصراط لانها مع الطاء أعدلُ من السين فهى تُواخِى الطاءَ بالاطباق والاستعلاء وتواخى السين بالمخرج ثم الزاى تبدل من السين في الزراط أيضا لانها تواخى الطاء بالجهر وهى من مخرج السين أيضا فقد بينتُ لك حروفَ البدل وعلةَ الابدال ومراتبَ هذه الحروف في القوّة والضعف ليُجْرَى كلُّ شئ من ذلك على حقه ان شاء الله تعالى وأنا آخُذُ فى ذلك كله ومؤثر للايجاز والاختصار في شرحه ان شاء الله تعالى
__________________
(١) قوله ثم الميم لانها مؤاخية الخ هنا سقط ويظهر أن الاصل هكذا ثم الميم لانها مؤاخية للواو في المخرج ثم الهاء لانها الخ كتبه مصححه