قلنا : فليكن الرب أحقّ بالذّم على تمكينه من الكفر ؛ لأنه لولاه لما أوجد العبد الكفر.
فلئن قالوا : الرب ـ تعالى ـ محسن بتمكينه العبد من الكفر ؛ ليعظم ثوابه بإيمانه (١) عن (١) الكفر ، وامتناعه منه.
قلنا : الثواب (٢) عندكم : إنما يكون على الفعل ، ولا فعل عدم ؛ وليس بفعل. والمتحقق هاهنا : إنما هو التمكين من الفعل ، وعدم الفعل. والتمكين من فعل الله ؛ فلا يستحق عليه العبد ثوابا. ولا فعل غير مثاب عليه ، فلو أثيب ؛ لأثيب على ما ليس من (٣) فعله (٣) ؛ وهو محال على أصلكم.
هذا كله : إذا علم الله ـ تعالى ـ أن العبد لا يفعل ما مكنه منه.
وأما إذا علم أنه لا يمتنع مما مكنه منه ، وأنه يفعله ؛ فلا يعد محسنا.
كيف : وأن جميع ما ذكروه فمبنى على إلحاق الغائب بالشاهد ؛ وهو ممتنع كما سبق (٤).
فلو (٥) صح : لصح (٥) تقبيح فعل الله ـ تعالى ـ تمكينه (٦) للخلق من الفواحش وارتكابهم لها ؛ مع اطلاعه عليهم ، وعلمه أنهم لا ينزجرون ؛ كما يقبح ذلك فى الشاهد من السيد إذا ترك عبيده ، وإماءه يرتكبون الفواحش ؛ وهو مطلع عليهم ، وقادر على منعهم ؛ وهو محال.
قولهم : يلزم من ذلك أن لا يكون لله ـ تعالى ـ على الكافر نعمة.
قلنا : قد بينا ـ فيما سبق ـ أن مذهب أصحابنا : أنه لا نعمة لله ـ تعالى ـ على الكافر من النعم الدينية ، وإن اختلفوا فى النعم الدنياوية ، وبينا ما فى ذلك فى موضعه.
__________________
(١) فى ب (بإبائه من).
(٢) فى ب (القول).
(٣) فى ب (بفعله).
(٤) انظر ل ٤٠ / أ.
(٥) في ب (ولو صلح صح).
(٦) فى ب (لتمكينه).