الأول : أنه لو لم يتصور منع القادر عن مقدوره / مع وجود قدرته عليه ، وإلا لما تصور الفرق بين حال المقيد إذا كان لا ينافى مكان ، وبين حاله مطلقا عن ذلك مع الصحة ، والسلامة عن الآفات المانعة من الحركة ؛ حيث أن كل واحد منهما غير قادر حالة لبثه عن الحركة ، والانتقال عن مكانه ؛ وهو خلاف ما تشهد به العقول.
الثانى : هو أنا لو فرضنا شخصا لم تبدل ذاته ، ولم تتغير صفاته فى حالتى القيد ، والإطلاق ، ماشيا ؛ فإنه يلزم أن يكون قادرا حالة القيد ؛ لكونه قادرا حالة الاطلاق ، ضرورة عدم تغير ذاته ، وصفاته ، ومع ذلك : فإنا نعلم كونه ممنوعا من الفعل حالة القيد.
ولهذا ، فإن العقلاء إذا أرادوا منع شخص من الحركة ، والانتقال ؛ أوثقوه بالقيود ، وقدروه منعا من ذلك.
الثالث : هو أن القدرة من الأعراض الباقية ، والباقى لا ينتفى إلا بضده على ما يأتى تحقيقه. والقيد ليس ضدا للقدرة الحادثة ؛ فوجب أن تكون القدرة موجودة معه.
والجواب عن الشبهة الأولى :
أنه وإن لم يتحقق الفرق بين حال المقيد ، والمطلق من كون الفعل غير مقدور له فى الحالتين على أصلنا ؛ فلا يمنع ذلك من الفرق من جهة أخرى ؛ وذلك أن العادة جارية بعدم خلق الله ـ تعالى ـ للمقيد القدرة على الحركة ، بخلاف المطلق ، وذلك هو مستند أهل العرف في الحبس والتقييد ، والتفرقة بين الحالتين : أما أن يكون مستند ذلك المنع فى إحدى الصورتين ، وعدمه فى الأخرى. فلا.
كيف : وأن التمسك فى القضايا العقلية بالأمور العرفية ممتنع.
وأما الشبهة الثانية :
فمبنية على امتناع تغير الصفات فى إحدى الحالتين ؛ وهو غير مسلم. فإنا نعتقد أن الله ـ تعالى ـ خلق له القدرة حالة كونه ماشيا مطلقا دون الحالة الأخرى بحكم جرى العادة ، واتفاق أهل العرف والعقل على أن التقييد كان لما ذكرناه فى جواب الشبهة الأولى.