كيف وأن مفهوم الآية يدل على وجود إله آخر مع الله ـ تعالى ـ حيث خصص الآلهة بالدلالة على انتفائها ، ولو كان الإله الثانى مساويا للآلهة فى الحكم ؛ لما كان التخصيص مفيدا.
سلمنا دلالة ما ذكرتموه على انتفاء الشركة فى الإلهية مطلقا. غير أنه معارض بما يدل على وجود آلهة.
وبيانه : أنا قد صادفنا فى العالم خيرا ، وشرا ، وكل واحد منهما يدل على مريد له ، ومريد الخير لا يكون مريدا للشر ، ومريد الشر لا يكون مريدا للخير ، واختلاف المرادات (١) يدل على اختلاف المريدين.
والجواب :
أما السؤال الأول : فمندفع ، لما سبق فى مسألة امتناع الكذب (٢) على الله ـ تعالى.
وقولهم : لم قلتم إن ما ذكرتموه من الكلام هو الدال على كلام الله ـ تعالى ـ النفسانى؟
قلنا : لأنه قد علم بالتواتر القاطع فى كل عصر إلى وقتنا هذا عن النبي ـ عليهالسلام ـ المصدق بالمعجزة القاطعة ـ على ما سيأتى فى النبوات (٣) ـ إخباره عن القرآن الوارد على لسانه أنه كلام الله ، والأمة من المسلمين قاطبة مجمعة عليه ، وأن هذه الآية منه ، وكلام الله : إما كلامه القائم بنفسه ، أو الدال على كلامه القائم بنفسه ، وليست هذه الآية من الكلام النفسانى ؛ فكانت من الكلام الدال على ما فى النفس.
قولهم : لم قلتم إنه يجب أن يكون صادقا؟
قلنا : لما سلف أيضا.
قولهم : أخبر عن الفساد بتقدير أن تكون الآلهة (٤) أصناما أم لا؟
قلنا : الآية أخبرت عن لزوم الفساد بتقدير أن يكون فيهما آلهة مطلقا / فبتقدير كون الآلهة أصناما إضمار فى اللفظ ما ليس فيه ؛ وهو ممتنع من غير دليل.
__________________
(١) فى ب (الحوادث).
(٢) انظر ل ١٦٥ / ب.
(٣) انظر الجزء الثانى ـ القاعدة الخامسة ل ١٣٠ / أوما بعدها.
(٤) فى ب (آلهة).