قولهم : (وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) كأنهم قالوا : لا نكتفي برجمكم بحجر أو حجرين بل نديم ذلك عليكم إلى الموت وهو العذاب الأليم أو يكون المراد : وليمسّنّكم بسبب الرجم منّا عذاب أليم أي مؤلم.
وإن قلنا : الرجم الشتم فكأنهم قالوا ولا يكفينا الشتم بل شتم يؤدي إلى الضرب والإيلام الحسّيّ. وإذا فسرنا «أليم» بمعنى مؤلم فالفعيل (١) بمعنى مفعل قليل (٢).
ويحتمل أن يقال : هو من باب قوله : (عِيشَةٍ راضِيَةٍ) أي ذات رضا أي (٣) عذاب ذو ألم(٤) ، فيكون فعيل بمعنى فاعل وهو كثير (٥).
ثم أجابهم المرسلون فقالوا (طائِرُكُمْ مَعَكُمْ) أي شؤمكم معكم ، أي كفركم.
قوله : «طائركم» العامة على «طائر» اسم فاعل أي ما طار لكم من الخير والشر ، فعبر به عن الحظ والنصيب وقرأ الحسن ـ فيما روى عنه الزمخشري (٦) ـ «اطّيّركم» مصدر اطّيّر الذي أصله تطيّر ، فلما أريد إدغامه أبدلت الفاء (٧) طاء وسكنت واجتلبت همزة الوصل وصار اطّيّر ، فيكون مصدره «اطّيّارا».
ولما ذكر أبو حيان هذا لم يرد عليه وكان (هو) (٨) في بعض ما رد به على ابن مالك
__________________
(١) في «ب» فالفعل تحريف.
(٢) وفيها دليل بدل قليل وهو تحريف.
(٣) في «ب» «أو» تحريف.
(٤) «أليم» هنا صفة مشبهة على زنة فعيل ، فإذا قصد النص على حدوث الصفة فإن كانت من الثلاثي أتى بها على فاعل فنقول في حسن وفرح حاسن وفارح ، وإن كانت من الثلاثي على فاعل في الأصل كطاهر وفاره أو كانت من غير الثلاثي اكتفي في دلالتها على الحدوث بتقييدها بأحد الأزمنة ، فنقول : طاهر الآن ، ومبتهج أمس. ومن مجيء الصفة على فاعل قول الشاعر :
وما أنا من رزء وإن جلّ جازع |
|
ولا بسرور بعد موتك فارح |
(٥) إذا كان الفعل على وزن فعل ـ بكسر العين ـ فاسم الفاعل منه قياسا على وزن فاعل إن كان الفعل متعديا فإن كان لازما أو كان الفعل على فعل ـ بضم العين فلا يجيء اسم الفاعل على فاعل إلا سماعا. أما إذا كان على وزن فعل بفتح العين ـ فيجيء من الثلاثي هذا على وزن فاعل سواء أكان متعديا أم لازما. وألم فعل لازم كما قال ابن منظور في اللسان : «أل م» وقد ألم الرجل يألم ألما فهو ألم ، قال : والعذاب الأليم الذي يبلغ إيجاعه غاية البلوغ وإذا قلت : عذاب أليم فهو بمعنى مؤلم «مفعل». انظر : التبيان في تصريف الأسماء ٧٧. وشرح ابن عقيل ٣١٨ و ٣١٩ واللسان : «أل م» بتصرف.
(٦) الكشاف ٣ / ٣١٨.
(٧) أي فاء الكلمة ميزانا طاؤها موزونا. وفي «ب» التاء على أصل المبدل.
(٨) سقط من «ب».
وقد قال أبو حيان في البحر : «مصدر اطير الذي أصله تطيّر فأدغمت التاء في الطاء فاجتلبت همزة الوصل في الماضي والمصدر». البحر ٧ / ٣٢٧.