فالتقى ساكنان كذلك فكسر (وا) (١) أولهما. فهذه أربع قراءات قرىء بها في المشهور ، وروي عن أبي عمرو وقالون سكون الخاء وتشديد الصاد فالنحاة يستشكلونها للجمع بين ساكنين على غير حدّيهما. وقرأ جماعة «يخصّمون» بكسر الياء والخاء وتشديد الصاد وكسروا الياء إتباعا (٢). وقرأ أبيّ يختصمون على الأصل (٣) ، وقال أبو حيان وروي عنهما ـ أي عن أبي عمرو وقالون ـ سكون الخاء ، وتخفيف الصاد من خصم (٤). قال شهاب الدين : هذه هي قراءة حمزة ولم يحكها هو عنه ، وهذا يشبه قوله : (يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ)(٥) [البقرة : ٢٠] في البقرة و (لا يَهْدِي)(٦) في يونس وقرأ ابن محيصن «يرجعون» مبنيّا للمفعول (٧).
فصل
قال عليه (الصلاة و) السلام : «لتقومنّ السّاعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يبيعانه ولا يطويانه ولتقومنّ السّاعة وقد رفع الرّجل أكلته إلى فيه (٨) فلا يطعمها».
قوله : (فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً) أي لا يقدرون على الإيصاء قال مقاتل : أي أعجلوا عن الوصية فماتوا (وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ) ينقلبون. أي أنّ الساعة لا تمهلهم لشيء (٩).
واعلم أن قول القائل : فلان في هذه الحالة لا يوصي دون قوله لا يستطيع التوصية لأن من لا يوصي قد يستطيعها والتوصية بالقول ، والقول يوجد أسرع مما يوجد الفعل فقال : لا يستطيعون كلمة ، فكيف الذي يحتاج إلى زمن (١٠) طويل من أداء الواجبات ورد المظالم؟! واعتبار الوصية من بين سائر الكلمات يدل على أنه لا قدرة له على أهم الكلمات فإن وقت الموت الحاجة إلى الوصية أمسّ. والتنكير في التوصية للتعميم أي لا
__________________
(١) ما بين القوسين زيادة من أففي ب كسر بدون واو. وانظر هذا في الدر ٤ / ٥٢٢ والإتحاف والمراجع السابقة.
(٢) نقلها أبو حيان ٧ / ٣٤١ والسمين في الدر ٤ / ٥٢٢ والزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٢٥.
(٣) المراجع الثلاثة السابقة. وانظر أيضا معاني القرآن للفراء ٢ / ٣٧٩ ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٢٩٠ وفصّل الزجاج قراءة : «يخصمون» بفتح الخاء مع الياء قال : «والقراءة الجيدة يخصمون بفتح الخاء والأصل : يختصمون فطرحت فتحة التاء على الخاء وأدغمت في الصاد».
(٤) البحر ٧ / ٣٤١.
(٥) وكسر الطاء قراءة مجاهد. والفتح أعلى وأفصح كما قال الزمخشري انظر : الكشاف ١ / ٢١٩.
(٦) وهي قراءة حمزة والكسائي وهي الآية ٣٥ من يونس وانظر : السبعة ٣٢٦ والإتحاف ٣٦٥.
(٧) السابق وانظر : البحر ٧ / ٣٤١ والدر ٤ / ٥٢٣.
(٨) من حديث طويل رواه البخاريّ في صحيحه ٤ / ٢٣١ وقد رواه أبو هريرة.
(٩) قال بهذه المعاني البغوي والخازن في تفسيريهما ٦ / ١١.
(١٠) كذا هنا وفي الرازي : إلى زمان وفي ب إلى «أمن» تحريف.