(جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي) بذلك الجزاء (إِلَّا الْكَفُورَ).
قوله : (وَهَلْ نُجازِي) قرأ الأخوان وحفص نجازي بنون العظمة وكسر الزاي لقوله : (جَزَيْناهُمْ) أي (نحن) (١) (وهل نجازي (٢) هذا الجزاء) إلا الكفور مفعول به والباقون بضم الياء وفتح الزاي مبنيا للمفعول (٣) إلا الكفور رفع على ما لم يسم فاعله ومسلم (٤) بن جندب «يجزى» للمفعول(٥) إلّا الكفور رفعا على ما تقدم وقرىء «يجزي» مبنيا للفاعل وهو الله تعالى «الكفور» نصبا على المفعول به (٦).
فصل
قال مجاهد : يجازي أي يعاقب ويقال في العقوبة يجازي وفي التوبة يجزى (٧). قال الفراء : المؤمن يجزى ولا يجازى (٨) أي يجزى الثواب بعمله ولا يكأفأ بسيّئاته. وقال بعضهم : المجازاة يقال في النعمة والجزاء في النقمة لكن قوله تعالى : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا) يدل على أن «يجزي» في النّقمة ولعل من قال ذلك أخذه من المجازاة مفاعلة وهي في أكثر الأمر يكون ما بين اثنين يؤخذ من كل واحد جزاء في حق الآخر وفي النعمة لا تكون مجازاة لأن الله مبتدىء بالنعم(٩).
قوله : (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها) بالماء والشجر وهي قرى الشام «قرى ظاهرة» متواصلة أي يظهر بعضها لبعضها يرى سواد القرية من القرية الأخرى لقربها منها فكان (١٠) شجرهم من اليمن إلى الشام فكانوا يبيتون بقرية ويقيلون بأخرى وكانوا لا يحتاجون إلى حمل زاد من سبأ إلى (١١) الشام.
فإن قيل : هذا من النعم والله تعالى أراد (١٢) بيان تبديل نعمهم بقوله : (وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ) فكيف عاد مرة أخرى إلى بيان النعمة بعد النعمة؟
__________________
(١) سقط من «ب».
(٢) زيادة من (ب).
(٣) الفراء ٢ / ٣٥٩ والسبعة ٥٢٨ والإتحاف ٣٥٩.
(٤) أبو عبد الله الهذليّ مولاهم المدنيّ القاضي تابعيّ مشهور روى عن أبي هريرة وعرض على عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة عرض عليه نافع بعد سنة عشر ومائة انظر : غاية النهاية ٢ / ٢٩٧.
(٥) ذكره في المحتسب ٢ / ١٨٨ والمختصر ١٢١ والبحر ٧ / ٢٧١.
(٦) قال ابن جني في المحتسب : «وقال أبو حاتم : وهل يجازي إلّا الكفور بالنصب قراءة قتادة وابن وثاب والنّخعيّ في جماعة ذكرهم». وهذه القراءات شاذة غير متواترة وشذوذه رواية لا قياسا.
(٧) معالم التنزيل للبغوي ٥ / ٢٨٨.
(٨) قال : «وأما المؤمن فيجزى لأنه يزاد ويتفضّل عليه ولا يجازي» معاني القرآن ٢ / ٣٥٩.
(٩) ذكره الرازي في تفسيره ٢٥ / ٢٥٢.
(١٠) كذا هي هنا وفي «ب» : شجرهم وفي البغوي : «متجرهم».
(١١) انظر : معالم التنزيل للبغوي السابق.
(١٢) انظر الرازي السابق.